كيف رأى موسيقار الشعب سيد درويش نفسه؟ هذا سؤال مهم والإجابة عنه ليست سهلة، وفى ذكرى ميلاده حيث ولد فى مثل هذا اليوم سنة 1892 نقرأ ما كتبه إدوارد لويس عن "درويش" تحت عنوان "سيد درويش والموسيقى العربية الحديثة" فى مجلة حوار.
"أنا لا أقل عن فيردى. أنا فيردى مصر". بمثل هذه العبارة أجاب سيد درويش بعض الأصدقاء الذين لفتوا نظره فى إحدى الأمسيات إلى الشبه الغريب بين شكل جمجمته وجمجمة صاحب "أوبرا عايدة".
لقد كان غيورا على فنه لدرجة أنه ارتقى فى أحد الأيام خشبة أحد الملاهى لتوجيه كلمة إلى مغن تجرأ على تحوير بعض ألحانه. وكان واثقفا بنفسه لدرجة أنه طلب مبلغ ألف جنيه على تلحين أوبريت اضطر معه على ما يظهر إلى السفر لأوروبا لوضعه فى الجو المناسب.
فى سنة 1917 كان سيد درويش قد بلغ الخامسة والعشرين من عمره، وقد أخذت شركات تسجيل الأسطوانات التى جنت أرباحا طائلة من أغانيه، تشجعه على القدوم إلى القاهرة التى كانت على ما يظهر تمد له ذراعيها، والواقع أن سيد درويش كان توق إلى مغادرة مسقط رأسه حيث كانت حياته العاطفية تتعقد، وإلى التخلص نهائيا من المقاهى والاجتماعات الفنية والأصدقاء، وإلى نسيان موت زوجته الثانية التى طلقها بدون حق ـ ولكنه كان يتردد.
وفى هذه الأثناء يتعرف سيد درويش فى مقهى الحميدية إلى جورج أبيض أحد كبار ممثلى المأساة فى نهضة الادب العربى، فيقذف الشيخ فى تيار يحترفه فى بادئ الأمر ولكنه لا يلبث أن يتخلص منه، ويؤكد أنه أحد كبار العاملين على تجديد البلاد.
فى سنة 1921 أصبح دخله هائلا ثلاثمائة جنيه فى الشهر غير حقوق تسجيلاته التى لا تعد ولا تحصى. ويطلب منه الإخوان عكاشة تلحين تمثيليتهم "شمشون ودليلة" التى ستمثل على مسرح الأزبكية، فيطلب ألف جنيه بلا زيادة ولا نقصان، ولكنهم عجزوا عن تدبير المبلغ.
غير أن سيد درويش كان سيئ الإدارة فإنه على الرغم من شهرته ومن إنتاجه الغزير (عشرين أوبريت) لم يكن لديه فى أواخر أيامه سوى عوده فونغرافه العتيق.