يمكن لنا أن نقرأ معا كتاب "القيادة: مقدمة قصيرة جدًّا" لـ كيث جرينت، ترجمة حسين التلاوى مراجعة هانى فتحى سليمان، والذى صدرت ترجمته عن مؤسسة هنداوى.
يقول الكتاب "ما القيادة؟ حسنًا، بالرغم مما يقرب من ثلاثة آلاف عام من التأمل وما يزيد على القرن من البحث "الأكاديمى" فى القيادة، فيبدو أننا لم نقترب من اتفاق على المعنى الأساسى لها، فضلًا عن إمكانية تعلمها أو قياس تأثيراتها أو التنبؤ بها.
ويضيف الكتاب "لا يمكن أن يرجع ذلك إلى قلة الاهتمام بهذا الموضوع أو قلة المواد المتعلقة به؛ فحتى 29 أكتوبر 2003، كان هناك 14139 كتابًا تتناول موضوع "القيادة" معروضة للبيع على موقع "أمازون دوت كوم دوت يو كيه" الإلكتروني، وفى غضون ست سنوات فقط من ذلك التاريخ، تضاعف هذا العدد أربع مرات ليصل إلى 53121 كتابًا، وهناك دليل واضح على أنه خلال فترة قليلة من الزمن سيفوق عدد الكتب التى تتناول القيادة عدد من يقرءون هذه الكتب، وسنلتمس لك العذر إذا ما اعتقدت أن الزيادة فى المعلومات تقود إلى فهم أفضل، فمع الأسف، يبدو أننا نتسبب فى إضفاء تباين أكبر بكثير على مفاهيمنا حول تعريف القيادة، وكذلك أننا أبعد من "الحقيقة" المتعلقة بهذا التعريف عما كنا عليه قبل الشروع فى نشر هذه الأفكار الكثيرة.
تقول كيث جرينت "عندما بدأت أقرأ فى الكتابات المنشورة عن القيادة عام 1986 تقريبًا، كنت قد شغلت بالفعل عدة مواقع قيادية، لذا ففى تلك المرحلة كنت قد قرأت القليل، ولكنى استقيت كل ما فهمته عن القيادة من جامعة الحياة، بعد ذلك، وبينما كنت أواصل قراءة المزيد، أدركت أن كل ما أعرفه من "حقائق" سابقة كان مبنيًّا على أسس غامضة، لذا قَلَّ فهمى مع زيادة معرفتى، وكان عام 2006 صعبًا: فقد قرأت مئات — إن لم يكن آلافًا — من الكتب والمقالات، وخلصت إلى أن سقراط كان محقًّا عندما قال إن الحكمة لا تأتى إلا عندما تكتشف مقدار جهلك، وأعتقد أننى الآن على طريق التعافي، وقد تجاوزت بداية هذا الطريق بالاستنتاج الآتي: "جوهر" القيادة فى أبسط صوره — مثل قائد فرد — يهمل الأتباع، ودون أتباع لا يمكن أن تكون قائدًا، والحق أن ذلك يمكن أن يكون أبسط تعريف للقيادة وهو: "أن يكون لديك أتباع".
إذن كيف سنتناول هذا الموضوع؟ إن أهمية تعريف القيادة لا تكمن ببساطة فى وضع منظومة مصطلحات لها، إلى جانب أن الأمر ليس لعبة من ألعاب السفسطة، والحقيقة أننا لسنا بحاجة فعلًا إلى أن نتفق على تعريف (على الرغم من أن المؤسسات ينبغى على الأرجح أن تتفق على تعريف)، ولكن ينبغى علينا على الأقل أن نتمكن من فهم موقع كل منا بالنسبة للآخر، بحيث يستطيع كل منا إدراك وفهم الحجج التى يسوقها الآخر، وبادئ ذى بدء، فإن الكيفية التى نعرف بها القيادة لها دلالات حيوية على الكيفية التى تعمل — أو لا تعمل — بها المؤسسات، وعلى تحديد من نكافئ ومن نعاقب.
قبل حوالى 50 عامًا، وصف دابليو بى جالى القوة بأنها "مفهوم خلافى فى الأساس" فجالى يرى أن هناك الكثير من المفاهيم — مثل القوة — تدور "بين مستخدميها نزاعات واختلافات لا تحصى حول الاستخدام الصحيح لها"، حتى إن هذه الاختلافات صار من المتعذر حلها. فمثلًا، من الوارد أن تؤدى مناقشة هل كان بوش — أو بلير — قائدًا "جيدًا" إلى سخونة فى النقاش بدلًا من بصيص أمل غالٍ فى التوصل إلى اتفاق بين أطراف النقاش، الذين يقدمون تعريفات مختلفة لمفهوم القيادة "الجيدة".
لذلك، لسنا بحاجة إلى الاتفاق على التعريف، ولكننا بحاجة إلى أن نعرف ماهية التعريفات. وربما نبدأ بالنظر فيما تقوله أشهر الكتب فى المسألة. فالعديد من هذه الكتب يدور حول سير ذاتية أو سير أشخاص؛ فهى تربط القيادة "بالشخص" الذى يُنْظَرُ إليه على أنه القائد. ويعرِّف آخرون القيادة بأنها عملية؛ ربما يقصد بها الأسلوب الذى يتبناه القادة، أو عملية "تشكيل معنى" "عملية تشكيل معنى للمعلومات غير المفهومة والمتناقضة". وفقًا لما قاله ويك)، أو لعلها ممارسات القادة. ويعرِّف البعض القيادة بأنها مجرد التفكير فيما يفعله من لديهم السلطة، وذلك هو المنهج الوظيفي. يكون التعريف غالبًا قريبًا من تعريف القوة المشتق من الفكرة الأصلية لويبر ودال عن القوة (ومن ثم القيادة) بأنها القدرة على جعل شخص ما يفعل شيئًا لم يكن ليفعله فى ظروف أخرى. ويميل هذا المنهج إلى قصر فكرة القيادة على تحريك جماعة أو مجتمع لتحقيق غرض ما، وهذا هو منهج النتائج. وسوف نعود إلى بعض هذه المناهج، ولكن بعيدًا عن السمات المتنوعة لهذه التعريفات؛ فقد زادت — ولم تقلِّلْ — من تشوشنا. يبدو أن القيادة لها الكثير من التعريفات المختلفة إذن، وعلى الرغم من وجود بعض أوجه التشابه بين هذه التعريفات، فإن التعقيدات تقوض أغلب المحاولات لتفسير السبب فى وجود الاختلافات. ومع ذلك فإن التباينات تبدو وكأنها تدور حول أربعة مجالات مختلف عليها؛ تتمثل فى تعريف القيادة بأنها "موقع وظيفى" أو "شخص" أو "نتيجة" أو "عملية".