نواصل مع المفكر العربي الكبير جواد علي (1907 – 1987) قراءة التاريخ العربي قبل الإسلام، وذلك من خلال كتابه المهم (المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام) ونحاول أن نعرف العلاقة بين العرب والآشوريين.
يقول "جواد علي" إن أول إشارة إلى العرب في الكتابات الآشورية، هي الإشارة التي وردت في كتابات الملك "شلمنصر الثالث" ملك آشور، فقد كان هذا الملك أول من أشار إلى العرب في نص من النصوص التأريخية التي وصلت إلينا، إذ سجل نصرًا حربيًّا تم له في السنة السادسة من حكمه على حلف تألف ضده، عقده ملك "دمشق" وعدد من الملوك الإرميين الذين كانوا يحكمون المدن السورية وملك إسرائيل ورئيس قبيلة عربي اسمه "جندب" وقد كان هذا النصر في سنة "853" أو "854 ق. م".
وقد قصد "شلمنصر" بلفظة "عرب "الأعراب، أي: البدو، كما شرحت ذلك في الفصل الأول. أما العرب الحضر، أهل المدر، أى: المستقرون، فقد كانوا يدعون كما ذكرت ذلك أيضا بأسماء الأماكن التي يقيمون فيها أو التسميات التي اشتهروا بها؛ ذلك لأن لفظة "العرب" لم تكن قد صارت علمًا على جنس، من بدو ومن حضر، بالمعنى المفهوم من اللفظة عندنا. ولم يكن هذا الاستعمال مقتصرًا على الآشوريين عددها على تسع للانتقام من الأعراب الذين كانوا قد تعودوا التحرش بهم، ومضايقتهم عند اجتياز البوادي، ومهاجمة قوافلهم وحدود إمبراطوريتهم، تحرضهم بابل في بعض الأحيان، أو حكومة مصر، أو يدفعهم إلى ذلك أملهم في الحصول على غنائم يتعيشون منها. وقد أزعجت هذه التحرشات الآشوريين كثيرًا وأغضبتهم، يتجلى غضبهم هذا فيما دونوه عنهم، وفي الصور التي رسموها للعرب في قصورهم، فصوروهم يقبلون أرجل ملوك "نينوى" ليرضوا عنهم، مقدمين إليهم الهدايا فيها الذهب والحجارة الكريمة وأنواع الطيب والكحل واللبان والجمال، وصوروا الآشوريين وهم يحرقون خيام الأعراب وهم نيام، وصوروا عساكرهم يقاتلون الأعراب ويطاردونهم وهم على ظهور خيولهم المطهمة، أما العرب، فإنهم على ظهور الجمال لا يستطيعون الإفلات من الآشوريين.
وقد صور العرب ولهم لحى وقد تدلى شعر رؤوسهم على أكتافهم ضفائر، وشد أحيانا بخيط، وأما الشوارب، فإنها محفوفة في الغالب، وقد صور العرب وهم يركبون الجمال عراةً في بعض الأحيان، أو تمنطقوا بمنطقة ثخينة، أو ائتزروا إزارًا يمتد من البطن إلى الركبتين.
لقد أقام الآشوريون لهم مسالح في أقاصي الأماكن التي بلغ نفوذهم الحربي والسياسي إليها، كما أقاموا حصونًا في مفارق الطرق المؤدية إلى البادية؛ وذلك لحماية حدودهم من غزو أبناء البادية. كما وضعوا مراقبين آشوريين، أو مندوبين سياسيين في مواطن سكن سادات القبائل؛ وذلك لمراقبة حركات القبائل وإخبار حكوماتهم بنوايا وبأعمال ساداتها، وللتأثير على أولئك السادات لحملهم على تنفيذ ما يريده ملوك آشور, وهي خطة قلدها من جاء بعد الآشوريين من أجانب. ولم يكن الآشوريون هم أول من ابتدع هذه السياسة، فلا بد وأن يكون من سبقهم قد سار على هذا الدرب، ومهد أرضه للآشوريين ولمن جاء بعد الآشوريين من حكام.