يبدو أننا نعيش فى زمن لا يعلم به إلا الله، زمن يسمح بكل من هب ودب أن يتحدث فى العلم وأن يفتي فى الدين، وأن يدعي ما يجوز ومالا يجوز لكن ليس هناك أغرب مما تقوم به السوشيال ميديا التى راحت تعيد فيديو قديم يعود لعام 2016 لسيدة تدعى "سهير عبد الرحمن" عن دابة الأرض"
وبغض النظر عن النوايا السيئة للسوشيال ميديا بالحديث عن مثل هذه الأمور الجدلية لكن دعونا نعرف ما الذي يقوله التراث الإسلامي فى "دابة الأرض".
يقول الله تعالى فى سورة النمل (وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ).
وقال ابن كثير: هذه الدابة تخرج في آخر الزمان عند فساد الناس، وتركهم أوامر الله، وتبديلهم الدين الحق، يخرج الله لهم دابة من الأرض، قيل: من مكة، وقيل: من غيرها... فتكلم الناس على ذلك.
وأخرج مسلم وأحمد وأصحاب السنن عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: "أَشْرَفَ عَلَيْنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ غُرْفَةٍ وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ السّاعَةَ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لاتَقُومُ السّاعَةُ حَتّى تَرَوْا عَشْرَ آيَاتٍ: طُلُوعُ الشّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَيَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَالدّابّةُ وَثَلاَثَةُ خُسُوفٍ: خَسْفٍ بالمَشْرِقِ وَخَسْفٍ بالمَغْرِبِ وَخَسْفٍ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَنَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنٍ تَسُوقُ النّاسَ أَوْ تَحْشُرُ النّاسَ فَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا".
وروى مسلم والترمذي وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض."
وروى مسلم وأبو داود وابن ماجه وأحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن أول الآيات خروجاً: طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى. وأيهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها."
فى وصف الدابة:
عن ابن أبي حاتم أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: إن الدابة فيها من كل لون، ما بين قرنيها فرسخ للراكب، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: هي مثل الحربة الضخمة.
وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: إنها دابة لها ريش وزغب وحافر، وما لها ذنب، ولها لحية.
وعن ابن الزبير رضي الله عنه أنه قال: رأسها رأس ثور وعينها عين خنزير، وأذنها أذن فيل، وقرنها قرن أيل، وعنقها عنق نعامة، وصدرها صدر أسد، ولونها لون نمر، وخاصرتها خاصرة هر، وذنبها ذنب كبش، وقوائمها قوائم بعير، بين كل مفصلين اثنا عشر ذراعاً، تخرج معها عصا موسى، وخاتم سليمان، فلا يبقى مؤمن إلا نكتت في وجهه نكتة بيضاء فتفشو فى وجهه حتى يبيض وجهه ولا كافر إلا نكتت في وجهه نكتة سوداء بخاتم سليمان فتفشو تلك النكتة السوداء حتى يسود لها وجهه، حتى إن الناس ليتبايعون في الأسواق بكم ذا يا مؤمن؟ بكم ذا يا كافر؟ وحتى إن أهل البيت يجلسون على مائدتهم فيعرفون مؤمنهم من كافرهم، ثم تقول له الدابة: يا فلان أبشر أنت من أهل الجنة، ويا فلان أنت من أهل النار، فذلك قول الله تعالى (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُونَ).
وخلاصة ما ورد فى الدابة فى التراث :
نقل الرازي هذا التصور المشاع قائلا:.." أن طولها ستون ذراعا،
وروي أيضا أن رأسها تبلغ السحاب.
وعن أبي هريرة ما بين قرنيها فرسخ للراكب
وثانيها: في كيفية خلقتها، فروي أن لها أربع قوائم وزغب وريش وجناحان. وعن ابن جريج في وصفها: رأس ثور وعين خنزير وأذن فيل وقرن أيل وصدر أسد ولون نمر وخاصرة (بقرة) «1» وذنب كبش وخف بعير.
وثالثها: في كيفية خروجها عن علي عليه السلام أنها تخرج ثلاثة أيام والناس ينظرون فلا يخرج إلا ثلثها.
وعن الحسن: لا يتم خروجها إلا بعد ثلاثة أيام
ورابعها: في موضع خروجها «سئل النبي من أين تخرج الدابة؟ فقال من أعظم المساجد/ حرمة على الله تعالى المسجد الحرام» وقيل تخرج من الصفا فتكلمهم بالعربية
وخامسها: في عدد خروجها فروي أنها تخرج ثلاث مرات، تخرج بأقصى اليمن، ثم تكمن، ثم تخرج بالبادية، ثم تكمن دهرا طويلا، فبينا الناس في أعظم المساجد حرمة وأكرمها على الله فما يهولهم إلا خروجها من بين الركن حذاء دار بني مخزوم عن يمين الخارج من المسجد، فقوم يهربون قوم يقفون » ...انتهى
ثم علق الرازي على هذا التصور قائلا:.."واعلم أنه لا دلالة في الكتاب على شيء من هذه الأمور، فإن صح الخبر فيه عن الرسول قبل وإلا لم يلتفت إليه"..(التفسير الكبير 24/572)
ويبدو أن الرازي لم يعجبه هذا التصور المشاع فأراد ألا يتحمل تبعات تشوهه وخروجه عن جادة المعقول والمشروع، لكن وبحكم نشأته كفقيه أشعري ووجوده ضمن محيط إيماني إسلامي متشدد لم يطعن كلية في هذا التصور إنما أحاله فقط للمصادقة مع الكتاب والسنة.
مبدئيا: حمل معنى الدابة على الحيوانات فقط أو الحشرات لا يتفق مع اللغة، ولا يستقيم كذلك مع منهج القرآن، ففي الكتاب أن الله أطلق لفظ الدابة والدواب على كل من .."يدب على الأرض"..بمن فيهم البشر، وهذا يعني أنه وربما كان المقصود من تلك الدابة إنسان داعية أو فقيه متبحر أو نبي يقيم الحجة على تلك الأقوام المقصودة في الآية.