فى شبه الجزيرة العربية، قبل ظهور شمس الإسلام، ومجىء الهادى "محمد" برسالة الإسلام، ليتمم على الناس رسائل السماء ويهديم إلى عبادة الله الواحد، كانت قد اجتمعت العرب على الجهل، فعبدو الأصنام والأوثان، لكن هناك آخرون رفضوا هذا النهج واتجهوت إلى عبادة الله وطريقه، فيما يعرف بالحنفاء.
والحنفاء نسبة إلى الحنفية وهو الاعتقاد الذى كان يتعبد به أبو الأنبياء النبى إبراهيم، وفى المعجم العربى الحنيف كأمير الصحيح الميل إلى الإسلام الثابت عليه، الحنف هو ميل عن الضلال إلى الاستقامة، والحنف ميل عن الاستقامة إلى الضلال، وقد وردت اللفظة فى القرآن الكريم اثنتا عشرة مرة.
وعرف بين العرب قبل ظهور الإسلام ومولد خاتم المرسلين، ما يعرف بـ"الحنفاء"، وهم ما ذكرهم ابن كثير فى البداية والنهاية، وما جاء فى سيرة ابن اسحاق واختصارها لابن هشام، وكذلك ما جاء فى كتب التاريخ والتراجم: إنهم أناس رفضوا عبادة الأوثان، وراحوا يبحثون عن الدين الحق، وكانوا يتطلعون نحو الحق؛ لذا وجدنا بعضهم يعتنق النصرانية، وبعضهم يتمسك ببقايا دين إبراهيم عليه السلام، وكان من أشهر الحنفاء:
ورقة بن نوفل
ابن عم خديجة أم المؤمنين وزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان من أوائل المصدقين برسالة النبي عليه الصلاة والسلام، حين أتت إليه خديجة برسول الله بعد أن جاءه جبريل فأخبره أنه أتاه الناموس الذي أتى موسى يعنى جبريل، استحكم في النصرانية، وكان شيخا كبيرا قد عمى.
وجاء في السيرة النبوية لابن هشام: [ثم انطلقت (يعني خديجة) إلى ورقة بن نوفل وهو ابن عمها، وكان قد تنصر وقرأ الكتب، وسمع من أهل الكتاب، فأخبرته بما أخبرها به رسول الله، أنه رأى وسمع؛ فقال ورقة بن نوفل: قدوس قدوس، والذي نفس ورقة بيده، لئن كنت صدقتيني يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة، فقولي له: فليثبت.
فرجعت خديجة إلى رسول الله فأخبرته بقول ورقة بن نوفل، فلما قضى رسول الله جواره وانصرف، صنع كما كان يصنع بدأ بالكعبة فطاف بها، فلقيه ورقة بن نوفل وهو يطوف بالكعبة فقال: يا ابن أخي أخبرني بما رأيت وسمعت، فأخبره النبى؛ فقال له ورقة: والذي نفسي بيده، إنك لنبي هذه الأمة، ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى، ولتكذبنه ولتؤذينه ولتخرجنه ولتقاتلنه، ولئن أنا أدركت ذلك اليوم لأنصرن الله نصرا يعلمه، ثم أدنى رأسه منه، فقبل يافوخه، ثم انصرف النبى، وعلى هذا فيكون ورقة رضي الله عنه هو أول من صدق بعد خديجة رضي الله عنها.
أمية بن أبي الصلت
شاعر جاهلي ومن رؤساء ثقيف، اشتُهر بالحنيفية والتوحيد وكان من الدعاة إلى نبذ الأصنام وتوحيد الإله، وقد قرأ الكتب وعلم أن الله مرسل رسولا فتمنى أن يكون ذلك الرسول، فلما أرسل الله النبى محمد حسده وكفر به، وهو الذي قيل فيه: "آمن شعره وكفر قلبه".
قال الحافظ ابن عساكر: هو أمية بن أبي الصلت عبد الله بن أبي ربيعة بن عوف.. أبو عثمان، ويقال: أبو الحكم الثقفي، شاعر جاهلي قدم دمشق قبل الإسلام. وقيل: إنه كان مستقيما، وإنه كان في أول أمره على الإيمان، ثم زاغ عنه، وقد كان يؤمن بالبعث والحساب والجنة والنار.
وذكر ابن كثير في البداية والنهاية، في قصة طويلة له مع أبي سفيان، حبث كان قد ذكر لأبي سفيان أن نبيا سيخرج: وقال أبو سفيان: فضرب الدهر ضربه، فأوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرجت في ركب من قريش أريد اليمن في تجارة، فمررت بأمية فقلت له كالمستهزئ به: يا أمية قد خرج النبي الذي كنت تنعته. قال: أما إنه حق فاتبعه. قلت: ما يمنعك من اتباعه؟ قال: ما يمنعني إلا الاستحياء من نساء ثقيف، إني كنت أحدثهن أني هو، ثم يرينني تابعا لغلام من بني عبد مناف.
أبو عامر بن صيفي
كان يدعى بأبي عامر الراهب فسماه النبي صلى الله عليه وسلم أبو عامر الفاسق، وقد ورد ذكره في كتاب أسد الغابة لابن الأثير، والإصابة لابن حجر العسقلاني، وذلك عند ترجمتهما لابنه حنظلة الغسيل، فقالا ما خلاصته: اسمه عمرو ويقال عبد عمرو بن صيفي بن زيد بن أمية بن ضبيعة، من الأوس من بني عمرو بن عوف، كان في الجاهلية يعرف بالراهب، وكان يذكر البعث ودين الحنيفية، وكان أبو عامر وعبد الله بن أبي بن سلول قد حسدا رسول الله صلى الله عليه وسلّم على ما مَنّ الله به عليه، فأما عبد الله بن أبي فأضمر النفاق، وأما أبو عامر فخرج إلى مكة، ثم قدم مع قريش يوم أحد محارباً، فسماه رسول الله: الفاسق. وأقام بمكة فلما فتحت هرب إلى هرقل والروم، فمات كافراً هنالك سنة تسع، وقيل: سنة عشر.
عبيد الله بن جحش
ونقل ابن هشام المتوفى في سنة 213 هـ في كتابه المسمى (سيرة الرسول) في نقل أخبار الحنفاء، إنه اجتمعت قريش يوماً في عيد لهم عند صنم من أصنامهم كانوا يعظّمونه وينحرون له ويعكفون عنده ويديرون به، منهم عبيد الله بن جحش، والذى أقام على ما هو عليه من الالتباس حتى أسلم ثم هاجر مع المسلمين إلى الحبشة ومعه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان مسلمة. فلما قدمها تنصر وفارق الإسلام ومات هناك وهو نصرانيا.
سويد بن صامت الأوسي
سويد بن الصامت بن عطية بن حوط بن حبيب بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، وأمه هي ليلى بنت عمرو النجارية وهي أخت سلمى بنت عمرو أم عبد المطلب بن هاشم جد نبي الإسلام، شاعر جاهلي شهير وأخا لبني عمرو بن عوف من الأوس من أهل يثرب، قيل أنه أسلم قبيل موته وقيل أنه صحابي أيضا.