نواصل مع المفكر العربي الكبير جواد على (1907 – 1987) قراءة تاريخ العرب وأيامهم قبل الإسلام وذلك من خلال كتابه المهم "المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام" وسؤال اليوم: هل حققت مملكة حضر موت شهرة عالمية قبل الإسلام فى الغرب؟
يقول جواد على ومن الممالك العربية الجنوبية، هي مملكة "حضرموت"، وقد ظهرت قبل الميلاد أيضًا، وما زال اسمها حيًّا يطلق على مساحة واسعة من الأرض، فلها أن تفخر بهذا على الحكومات العربية الأخرى التى عاشت قبل الميلاد، ثم ماتت أسماؤها، أو قل ذكرها قلة واضحة.
وقد قطع اسمها مئات من الأميال قبل الميلاد، فبلغ مسامع اليونان والرومان وسجله كتابهم في كتبهم لأول مرة في القارة الأوروبية، وكتب لذلك التسجيل الخلود حتى اليوم. ولكن سجلوه بشيء من التغيير والتحريف، اقتضته طبيعة اختلاف اللسان، أو سوء السماع، أو طول السفر، فرواه "ايراتوستينس"1Chatramotitae، ورواه "نبوفراستوس" 2Hadramyta وأما "بلينيوس" فقد روراه "Atramitae" و 3Chatramotitae. وقد ورد عند "بطلميوس" بشكلChathramitae = Adramitae.
وقد تحدث مؤلف كتاب "الطواف حول البحر الأريتري" عن سواحل حضرموت الجنوبية، فذكر أن فيها مناطق موبوءة، يتجنبها الناس، ولا يدخلونها إلا لضرورة، ولذلك لا يجمع التوابل والأفاويه إلا خول ملك حضرموت وأولئك الذين يراد إنزال عقوبات صارمة عليهم1. وهذا يدل على أن الروم والرومان كانوا قد سمعوا من ملاحيهم ومن غيرهم من ركاب البحر أخبار السواحل، وهي أخبار مهمة بالطبع بالنسبة إلى أصحاب السفن في ذلك العهد.
وكلمة "هزرماوت" "حزرماوت" "Hazarmaveth" الواردة في التوراة على أنها الابن الثالث لأبناء "يقطان"، يعني "حضرموت" ومعناها اللغوي "دار الموت" ولعل لهذا المعنى علاقة بالأسطورة التي شاعت عند اليونان أيضًا عن "حضرموت"، وأنها "وادي الموت"، وعرفت في الموارد الإسلامية كذلك. وقد وصلت في الإسلام من طريق أهل الكتاب، قال ابن الكلبي: "اسم حضرموت في التوراة حاضر ميت، وقيل: سميت بحضرموت بن يقطن بن عابر بن شالخ".
وقد ذهب أكثر من بحث في أسباب التسمية من العلماء العرب إلى أن حضرموت هو اسم "ابن يقطن" أو "قحطان" وأنه كان إنسانًا وبه سميت الأرض، وما بنا حاجة إلى أن نقول مرة أخرى أن هذه النظرية ليست عربية، وإنما تسربت إلى الأخباريين من التوراة، إذ جعلت حضرموت اسم رجل هو "ابن يقطان".
وقد ورد اسم "حضرموت" في الكتابات العربية الجنوبية، كما عثر على كتابات حضرمية ورد فيها أسماء عدد من ملوك حضرموت، وأسماء أسر حضرمية ومدن كانت عامرة زاهية في تلك الأيام، وبفضل هذه الكتابات حصلنا على معلومات لا بأس بها عن مملكة حضرموت، وعن علاقاتها بالدول العربية الجنوبية الأخرى، ولما كانت أكثر هذه الكتابات قد عثر عليها على وجه الأرض، أو هي من نتائج حفريات لم تتعمق كثيرًا في باطن العاديات، فإننا نأمل أن يقوم المستقبل بإقناع المحبين للتأريخ العربي، بالقيام بحفريات علمية منتظمة وعميقة في مواطن الآثار، لاستنطاق ما فيها عن تأريخ العرب الجاهليين، وأنا على يقين من أن في باطن الأرض وبين الأتربة المتراكمة على هيأة أطلال وتلول أسرارًا كثيرة ستغير من هذا الذي نعرفه اليوم عن تأريخ حضرموت وعن تأريخ غيرها, من حكومات، وستزيد العلم به اتساعًا.
لقد قامت بعثة بريطانية صغيرة بأعمال الحفر في موضع يقال له "الحريضة"، فاكتشفت فيه آثار معبد الإله "سين"، وهو يرمز إلى القمر. وعثرت على عدد من الكتابات تبين أن بعضها سبئية، كما عثرت على قبور عثر فيها على عظام في حالة جيدة تمكن من دراستها، وعلى أواني ومواد من الفخار والخزف وخرز ومسابح يظن أنها من القرن السابع أو الخامس قبل الميلاد1. وعثر في خرائب "شبوة" وفي "عقلة" وفي مواضع أخرى على عدد من الكتابات الحضرمية، كما استنسخ نفر من السياح صور بعض الكتابات التي نقلها الناس من مواضع العاديات إلى المواضع الحديثة حيث استعملوا حجارتها في البناء.