"أدب الأطفال: مقدمة قصيرة جدًّا" لـ كيمبرلى رينولدز، ترجمة ياسر حسن، مراجعة هبة نجيب مغربى، وفيه يناقش فكرة هل ما نقرأه الآن على أطفالنا ينتمى إلى فكرة أدب الأطفال؟
يتمتع مصطلح "أدب الأطفال" — خارج الدوائر الأكاديمية — بمعنى شائعٍ وبسيطٍ إلى حدٍّ كبير، فمن الصحف ووسائل الإعلام الأخرى إلى المدارس والوثائق الحكومية، من المفهوم أن المصطلح يشير إلى المادة التى تُكتب لكى يقرأها الأطفال والشباب. وعلى النقيض، فإن هذا المصطلح — بالنسبة لمن يبحثون فى أدب الأطفال ويدرسونه — مليء بالتعقيدات.
وقد مرَّ أدب الأطفال بالعديد من مراحل التطور، وأثرى الإنتاج الأدبى الإنسانى بأعمال تمثل علامات فارقة أسرت انتباه الكبار كذلك. ولم تقتصر بصمة أدب الأطفال على الإنتاج المقروء فحسب، بل امتدت إلى أشكال أخرى من أشكال العرض مثل السينما، بل وفرضت وجودها عليها، مثل: روايات «أليس فى بلاد العجائب» و«هارى بوتر»، وغيرها من أفلام ديزنى المأخوذة عن كلاسيكيات أدب الأطفال.
على النقيض، فإن هذا المصطلح — بالنسبة لمن يبحثون فى أدب الأطفال ويدرسونه — ملىء بالتعقيدات، وبالفعل، ففى واحدة من أكثر الدراسات المثيرة للجدل عن أدب الأطفال فى القرن الماضى، أشارت جاكلين روز (١٩٨٤) إلى "استحالة" أدب الأطفال، كانت روز فى الواقع تشير إلى طبيعة العلاقة بين الكبار والأطفال فى قصص الأطفال، وسوف نتناول مخاوفها، إلى جانب غيرها من القضايا ذات الطابع النظرى الأعمق التى تضفى التعقيد على دراسة أدب الأطفال فى الفصل الثاني. لكنْ من العديد من الجوانب — حتى على المستوى العملى — فإن أدب الأطفال يعد «مستحيلًا»؛ فهو شديد الاتساع وغير متبلور بشكل يجعل من المستحيل حصره فى مجال دراسة.
وفى الحقيقة، لا يوجد إنتاج أدبى محدد لما يُطلَق عليه «أدب الأطفال»، تمامًا مثلما لا يوجد شيء يمكن أن يطلق عليه «أدب الكبار»، كما أن مجالَى النشر هذين ليسا منفصلَين بالقدر الذى يوحى به اسماهما. فكلاهما يعكس أفكارًا عن غرض الكتابة وطبيعتها وأساليبها فى أى لحظة؛ وهما يتشاركان فى التكنولوجيا ونظام التوزيع، فغالبًا ما يكون منتجو الأعمال المخصصة للكبار هم أنفسهم من ينتجون أعمالًا مخصصة للأطفال، بل وبعض النصوص تكون واحدة. ومع ذلك، فإن مصطلح «أدب الأطفال» يُستخدم على نطاق واسع؛ ولذلك فلا بد من فهم كيفية استخدامه قبل الشروع فى مناقشته.
فى الوقت الحالى، كل شيء بدءًا من القصص الشعبية والخيالية، والخرافات والأساطير، والمواويل القصصية وأغانى الأطفال — التى يرجع تاريخ الكثير منها إلى عصور ما قبل الكتابة — ووصولًا إلى طرق التجسيد فى عصر النقل الحرفى الذى نعيشه — مثل الكتب الإلكترونية والروايات التى يؤلفها المعجبون بالأعمال الأدبية الأخرى حول بعض شخصياتها، وألعاب الكمبيوتر — ربما يندرج تحت مظلة أدب الأطفال. علاوةً على ذلك، فإن أدب الأطفال — كمجالٍ للبحث والتدريس — يشمل كل الأجناس الأدبية، والصيغ، والوسائط، وكل فترات الكتابة، وأنواعها، والحركات الأدبية من أى بقعة من العالم، وما يرتبط بذلك غالبًا من المطبوعات المؤقتة والسلع أيضًا. وهو يشير إلى الأعمال التى وُجهت تحديدًا لصغار السن، وإلى الأعمال التى باتت تُعتبر أدبًا للأطفال من خلال تخصيصها لصغار القرَّاء، وإلى الأعمال التى كان الأطفال يقرءونها فيما مضى واقتصرت قراءتها الآن على دارسى الأدب. ويتناول الفصل الثانى عواقب هذا التنوع على الطريقة التى يُدرَس بها أدب الأطفال؛ وهنا من المهم أن نؤكد أنه لا يوجد نتاج أدبى واحد ومترابط ومحدد يشكل أدب الأطفال، ولكن بدلًا من ذلك يوجد العديد من أعمال أدب الأطفال التى تم إنتاجها فى فترات مختلفة، وبطرق مختلفة، ولأغراض مختلفة، وعلى يد ألوان مختلفة من الناس باستخدام صيغ ووسائط مختلفة.
وعلى الرغم من هذا التنوع، فإن ثَمَّةَ إجماعًا كبيرًا حول ما يدرسه أولئك الذين يعملون فى هذا المجال، ويتمثل أحد أغراض هذه «المقدمة القصيرة جدًّا» فى تحديد بعض الافتراضات الشائعة بخصوص ماهية أدب الأطفال كمجال للبحث والتدريس. ويمكن الإلمام بنطاق المواد المصنفة على أنها أدب للأطفال — ومن ثَمَّ إدراك استحالة تقدير أدب الأطفال حقَّ قدره فى تلك النوعيات من الدراسات التى عادة ما تشكل مقدمات إلى هذا المجال — من خلال النظر إلى كيفية تنظيم الدراسات التاريخية للموضوع، ودراسة ما صُنف على أنه كتابة للأطفال، وكيف تغير ذلك عبر الزمن. وتوجد مشكلات جوهرية متعددة فى اتباع منهج تاريخى فى تناول القضية، أبرزها حقيقة أن هناك مخاطرة تتمثل فى الإشارة إلى وجود تطور تدريجى بلغ ذروته بتفهُّم أدب الأطفال وإنتاجه بصورته الحالية. ومن الصعب تجنب هذا الانطباع عند ترتيب المادة الأدبية فى تسلسل زمني، ولكن الدراسة التاريخية التى يقدمها الفصل الأول تحاول على الأقل تقييد هذا المعنى الضمنى من خلال تقديم المادة الأدبية من حيث التغيير والاستمرارية، وليس من ناحية التطور.