قرأت لك.. "مارتن لوثر" كتاب يؤكد: المصلح الدينى الشهير لم يكن يقصد أي إصلاح

معا نقرأ كتاب "مارتن لوثر: مقدمة قصيرة جدًّا" تأليف سكوت إتش هندريكس، ترجمة كوثر محمود محمد، ومراجعة هبة عبد العزيز غانم، وصادر عن مؤسسة هنداوي. يذهب الكتاب إلى أنه حين نشر مارتن لوثر أطروحاته الخمس والتسعين، أطلق دُون عمد حركة غيَّرَتْ مسار التاريخ الأوروبى على نحو جذري، وفي هذا الكتاب، يقدِّم سكوت إتش هندريكس مارتن لوثر كما يراه المؤرخون اليوم، وبدلًا من الاحتفاء به كبطل معاصر، يناقش هيندريكس البيئة التي عاش لوثر وعمل بها، والزملاء الذين ساندوه، والخصوم الذين قاوموا خطته للتغيير بمنتهى القوة. يشيد الكتاب بعبقرية لوثر، لكنه يبيِّن أيضًا كيف تسبَّبَ اقتناعُ لوثر بصحة آرائه وحدها في صرف معاصريه عنه. يقول الكتاب: في الرابعة من عصر الأربعاء، الموافق 17 من أبريل عام 1521، مَثَلَ مارتن لوثر الراهب المحروم كنسيًّا والأستاذ الجامعي البالغ من العمر 37 عامًا أمام أعيان "الإمبراطورية الرومانية المقدسة"، الذين اجتمعوا لعقْدِ مجلسهم التشريعى، وهو مجلس مكلَّف ومطوَّل يناقِش الشئون المالية والعسكرية المُلِحَّة والهرطقة، كما في هذه الحالة، قبل انعقاد هذا المجلس بيوم واحد، كان لوثر قد بلغ مدينة فورمس الألمانية على نهر الراين، بعد رحلة دامت لأسبوعين، كانت أشبه بموكب للنصر منها إلى مسيرة مَهيبة شعائرية قد تُفضي إلى مقتله. كان الإمبراطور شارل الخامس، الذي كان عمره آنذاك 21 عامًا فقط، ولم يَمضِ على تقلُّده عرش الإمبراطورية الرومانية سوى عامين، قد استدعى لوثر إلى مدينة فورمس ليعترف علنًا بخطأ الكتب التي كان قد كتبها؛ الكتب التي كانت آنذاك مكدَّسة على الطاولة أمامه في قصر ضيافة الأسقف الفخم بجوار الكاتدرائية، وعلى الرغم من أن لوثر أَمَلَ في جلسة استماعٍ عادلةٍ بمدينة فورمس، فقد وجد كلَّ العوامل ضده؛ إذ أخبره المسئول عن الجلسة أنه مسموح له بالإجابة عن سؤالين فقط، هما: هل هو مؤلِّف الكتب التي نُشِرت باسمه؟ وإن كان الجواب نعم، فهل يؤيِّد ما كتبه أم أنه يرغب في التراجع عن أى شىء قاله؟ قد تكون قصة مارتن لوثر مألوفة إلى هذا الحد، لا سيما إن اعتبرنا أن جوابه هو رفض إنكار ما قاله أو التراجع عنه، وأنه قال كلماته الأخيرة الشهيرة: "هأنذا أقف، ولا يسعني أن أفعل غير ذلك، فَلْيساعدْني الرب. آمين" على مدار نصف القرن الماضي، تشكَّكَ الدارسون في أن لوثر نطق حقًّا بعبارة: "هأنذا أقف، ولا يسعني أن أفعل غير ذلك" التى أوحت لرولاند باينتون بعنوان سيرة شهيرة، ومع ذلك، فتلك العبارة هي سبب شهرته بأنه بادئ "حركة الإصلاح البروتستانتى" الشجاع المقدام، وهي شهرة عزَّزها على مدار السنين الكُتَّاب ومنتجو الأفلام والفنانون الذين صوَّروا هذا المشهد، وتثبيت لوثر "الأطروحات الخمس والتسعين" على جدار الكنيسة عام 1517 كأعمال صدرت عن متمرد على السلطة ومدافع عن الحرية الفردية. غير أن ذلك التصوير مضلل؛ فلو كانت "الأطروحات" قد عُلِّقت فعلًا، فقد كان لوثر يهدف فقط إلى لفت الانتباه إلى مناقشةٍ أكاديميةٍ، وقد طلب في مدينة فورمس مُهلة يوم لصياغة ردِّه على الأسئلة المتعلقة بكتبه، وتبيَّن أن الرد الذي تلاه على مجلس فورمس في 18 من أبريل عام 1521 أقلَّ حدة وأكثر تعقيدًا من خِطاب تقريع مضاد للسلطة، وقد أقرَّ بأن بعض كتاباته تضمنت نقدًا لخصومه أشدَّ مما يَليق براهب، لكنه أضاف أن قوانين البابوية وتعليمات الكنيسة عذَّبت ضمائر سَوَادِ الناس، إلى حد أنه إذا تبرأ من كتاباته، فسوف "يدعم الطغيان ويفتح ليس فقط النوافذ، بل الأبواب أيضًا على مصاريعها أمام شَقاء عظيم"، كان لوثر أيضًا منتبهًا إلى ما يُمليه عليه ضميره الذي لجأ إليه في الاستنتاج الذي كثيرًا ما يستشهد به، والذي أسماه إجابةً بسيطة مطلَقة: "ما لم أقتنع بأدلة من نصوص الكتب المقدسة أو حجة لا جدال فيها، فأنا مصمِّم على النصوص المقدسة التي استشهدت بها وبما يمليه عليَّ ضميري الذي هو أسير لكلمة الله". ويخلص الكتاب إلى أن مارتن لوثر لم يؤسِّس تراثًا غربيًّا للحرية الدينية، أو يَسْعَ لتحدي بابا الكنيسة الرومانية والإمبراطور للدفاع عن المفاهيم الحديثة للديمقراطية، ومن الواضح أن لوثر لم يكن يقصد نشر أفكاره إلى هذا المدى، وما كان في وسعه ذلك، مع أن نضاله من أجل الحرية المسيحية على حدِّ وصفه لها في عام 1520 مهَّد بالفعل لصراعات تالية من أجل الحرية الدينية، كما أنه لم يحطِّم القيود عمدًا، بل أكد على أن «حركة الإصلاح الديني» لم تكن حملة مبيتة، لكن جاءت كرَدِّ فعلٍ لكتاباته.




الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;