نقرأ مع كتاب "نيوتن: مقدمة قصيرة جدًّا" تأليف روب أيلف، ترجمة شيماء طه الريدى، مراجعة إيمان عبد الغنى نجم، والذى يؤكد أن لا شك أن إسحاق نيوتن من أعظم العبقريات الرياضية والعلمية فى تاريخ البشرية. وقد أرست نظرياته أسسًا جديدة للعلم الحديث؛ أسسًا لا يزال يقوم عليها السواد الأعظم من فهمنا للكون.
تقدم هذه المقدمة القصيرة جدًّا وصفًا ثريًّا لحياة نيوتن الشخصية والعملية؛ حيث يشرح المؤلف اكتشافات نيوتن العلمية، ويزيح الستار عن القوى التى شكَّلت فكره، ويتناول حياته الدينية الراديكالية الصادمة ومعتقداته المثيرة للجدل، ليرسم صورة لرجل شديد التعقيد؛ رجل تراءى إلى علمنا الآن أنه كرَّس وقتًا لدراسة الخيمياء واللاهوت أطول مما خصصه لدراسة العلم العقلاني؛ رجل أثَّرت معتقداته تأثيرًا جمًّا فى المناحى السياسية والفكرية والدينية فى قارة أوروبا.
فى بريطانيا إبان العصر الفيكتورى، كان كل طالب يعرف أن السير إسحاق نيوتن نابغة رياضية وعلمية منقطعة النظير، وكان باستطاعة غالبيتهم أن يقدم بيانًا مبسطًا لأهم اكتشافاته.
ففى علم البصريات، اكتشف نيوتن أن الضوء الأبيض لم يكن عنصرًا أساسيًّا فى الطبيعة، بل يتألف من أشعة أولية ممتزجة معًا، وكانت الأجسام تبدو بلون معين لأنها تميل لعكس أو امتصاص ألوان بعينها دون غيرها. وفى مجال الرياضيات، اكتشف نيوتن نظرية ذات الحدين لفك مجموع متغيرين مرفوع لأى قوة، وكذلك القوانين الأساسية لحساب التفاضل والتكامل. فتعامل ذلك مع معدل التغيير الذى يطرأ على أى متغير (شكل منحنى أو سرعة جسم متحرك) فى أى لحظة، وكذلك أتاح تقنيات لقياس المساحات والأحجام أسفل المنحنيات (وغيرها من الأشياء الأخرى). وقد استغرق عمله فى كل من مجالى الرياضيات والبصريات عقودًا عديدة ليحوز القبول التام من جانب معاصريه، ويعود ذلك فيما يتعلق بالمجال الأول إلى أن عمله لم يعرض إلا على مجموعة محدودة من العلماء المعاصرين، وبالنسبة للمجال الثانى فيرجع إلى أن كثيرين وجدوا صعوبة فى إعادة إنتاج إنجازاته، التى تُعد ثوريَّة للحد الذى يتعذر معه فهمها بسهولة.
أما المجد الذى توج طريقة نيوتن، فقد كان مصدره كتابه الذى ألفه تحت عنوان «المبادئ الرياضية» والصادر عام 1676، والذى قدم فيه قوانين الحركة الثلاثة، وذلك المفهوم الرائع الخاص بالجاذبية الكونية، والمتمثل فى أن جميع الأجسام الضخمة دائمًا ما تجذب جميع الأجسام الأخرى وفقًا لقانون رياضي. وباستخدام مفاهيم جديدة تمامًا مثل «الكتلة» و«الجذب»، أعلن نيوتن فى قوانينه للحركة:
(١) أن جميع الأجسام تظل على حالتها من الحركة أو السكون ما لم تتأثر بقوة خارجية.
(٢) أن التغيير فى حالة جميع الأجسام يتناسب طرديًّا مع القوة التى تسببت فى هذا التغيير، وأنه يحدث فى اتجاه تلك القوة المؤثرة.
(٣) أن لكل فعل رد فعل مساويًا له فى المقدار ومضادًّا له فى الاتجاه. وقد شكلت دراسة نتائج عمله فى هذا المجال الأساس للميكانيكا السماوية خلال القرن الثامن عشر، وأتاحت المجال لظهور فيزياء جديدة — نعتبرها هى الفيزياء الصحيحة — للأرض والسماء (باستثناء تأثيرات النسبية العامة والخاصة). وبذلك، لم يكن من فراغ أن الغالبية العظمى من المتعلمين منحته لقب "مؤسس الفكر".
بخلاف ذلك، عانت نخب بريطانيا فى العصر الفيكتورى فى التعامل مع جوانب أصعب من حياة نيوتن وأعماله؛ لما كان معروفًا عنه أيضًا أنه خيميائى متفان ومهرطق متطرف،كذلك أظهرت أدلة لا تقبل الجدل أنه انتهج سلوكًا ذميمًا نحو مجموعة من معاصريه، ومنذ ذلك الحين، ظل تفسير شخصيته ومواجهة مشكلة التوفيق بين الجوانب «العقلانية» و«غير العقلانية» من عمله بمنزلة تحد أمام المؤرخين.
إضافةً إلى ذلك، أن حقيقة أن الكثير من أوراقه البحثية المهمة لم تصبح متاحة للدراسة والفحص الجاد إلا فى سبعينيات القرن العشرين تعنى أنه لم يكن من الممكن تكوين صورة متوازنة لأعماله إلا فى العقود القليلة الماضية.