نشاهد الآن لوحة "تحـول فى الطريـق إلى دمشـق" للفنان الإيطالى كارافـاجيـو التى أبدعها فى عام 1601.
تقول مدونة "لوحات عالمية" كان الفنّانون قبل كارافاجيو يرسمون مناظر دينية مثالية، وذلك بإضافة هالات إلى الأشخاص أو ملائكة تطير فى الهواء وتفاصيل من عوالم أخرى، أما كارافاجيو فقد أصرّ على أن يتعامل مع القصص الدينية بشكل مختلف وذلك بتركيزه على الواقع والجسد والانفعال.
فى لوحة "تحـول فى الطريـق إلى دمشـق" يصوّر قصّة دينية وردت فى الكتب القديمة عن قدّيس يُدعى سول كان مشهورا باضطهاده للمسيحيين، وسول هذا هو الذى سيتحوّل فى ما بعد إلى بولس الرسول أحد كتبة الإنجيل.
تذكر القصّة أن سول كان فرّيسا وكان يعيش فى مدينة القدس بعد صلب المسيح. وقد أقسم على أن يبيد جميع المسيحيين الجدد. ثم جاءته أوامر من كبار الكهنة بالذهاب إلى دمشق والتعامل بشدّة مع أتباع المسيح فيها.
لكن مفاجأة حدثت له فى الطريق بالقرب من دمشق، إذ فوجئ – بحسب القصّة - بضوء قوى يأتى من السماء ويُسقطه عن ظهر حصانه. ثم سمع صوت المسيح يقول له: لماذا تضطهدني؟!" وأثناء تخبّطه، اكتشف سول انه لم يعد يرى. ثم جاءه الصوت مرّة ثانية يقول له: الآن انهض واذهب إلى دمشق وسأخبرك ما الذى ستفعله هناك".
وكارافاجيو يرسم لحظة السقوط تلك من على ظهر الحصان والفوضى التى رافقت ذلك. والرسّام يختار لهذه الدراما خلفية مظلمة لكى يركّز اهتمام الناظر على تلك اللحظات المثيرة التى مرّ بها سول المتمدّد على الأرض فى ذهول وصدمة. ويُفترَض انه رأى المسيح فى تلك اللحظة التى أعماه فيها النور القادم من السماء.
والضوء يضرب الحصان ويسقط على سول المتمدّد على الأرض والرافع يديه والمغمض عينيه بينما سيفه وخوذته ملقيان على الأرض.
ووسط هذه المعمعة هناك أقدام كثيرة، الخادم المرتبك والذى لا يظهر منه سوى رأسه وقدماه يحاول الإمساك برسن الحصان لمنعه من دوس سول.
الحصان يحتلّ معظم مساحة اللوحة، وهو يثير إحساسا بالتوتّر يعمّقه رفعه لأحد حافريه فى الهواء كما لو انه يريد تحاشى أن يخطو فوق صاحبه. ونظرات الحصان تبدو متعاطفة، بينما نصفه فى الظلمة ونصفه الآخر فى الضوء. والرمزية هنا واضحة، وفيها إيحاء برحلة سول من الظلام إلى النور أو من الكفر إلى الإيمان.
هذه اللوحة هى إحدى لوحتين أمر برسمهما المونسنيور الايطالى سيراسي، وزير خزانة البابا كليمنت الثامن، كى تزيّنا كنيسة ماريّا ديل بوبولو فى روما.