نعترف بداية أن التاريخ الدينى للأرض يختلف عن التاريخ الأثرى لها وبالطبع عن التاريخ الجيولوجى، لكن هنا اخترنا التاريخ الدينى للتعرف على ماضى الإنسان، فبعد نزول آدم إلى الأرض اقتضت الحياة وجود أنبياء ورسل كى يهدوا الناس سواء السبيل.. واليوم نحاول فهم هل كان بين سيدنا آدم وسيدنا نوح أنبياء؟
ما الفترة الزمنية بين آدم ونوح؟
عن ابن عباس قال بين آدم ونوح عشرة قرون، وبين نوح وإبراهيم عشرة قرون، وبين إبراهيم وموسى 700 سنة، وبين موسى وعيسى 1500 سنة، وبين عيسى ونبينا صلى الله عليه وسلم 600 سنة.
وفى المجمل فإن الأخبار المنقولة فى المدد المذكورة كثير منها مأخوذ من الإسرائيليات، وفيها خلاف، فقد ذكر ابن الجوزى عن إسحاق ما يخالفها، وذكر ابن رجب فى شرح البخارى: خلافا فى ذلك.
بينما يذكر بن كثير فى (البداية والنهاية) أن سيدنا نوح كان مولده بعد وفاة آدم، بمائة سنة وست وعشرين سنة فيما ذكره ابن جرير وغيره، وعلى تاريخ أهل الكتاب المتقدم، يكون بين مولد نوح، وموت آدم، مائة وست وأربعون سنة، وكان بينهما عشرة قرون، كما قال الحافظ أبو حاتم بن حبان في (صحيحه):
حدثنا محمد بن عمر بن يوسف، حدثنا محمد بن عبد الملك بن زنجويه، حدثنا أبو توبة، حدثنا معاوية بن سلام، عن أخيه زيد بن سلام، سمعت أبا سلام، سمعت أبا أمامة، أن رجلًا قال: يا رسول الله: أنبي كان آدم؟
قال: نعم مكلم.
قال: فكم كان بينه وبين نوح؟
قال: عشرة قرون.
قلت، وهذا على شرط مسلم، ولم يخرجه.
وفي صحيح البخاري، عن ابن عباس قال: كان بين آدم ونوح، عشرة قرون كلهم على الإسلام، فإن كان المراد بالقرن مائة سنة - كما هو المتبادر عند كثير من الناس - فبينهما ألف سنة لا محالة، لكن لا ينفى أن يكون أكثر، باعتبار ما قيد به ابن عباس بالإسلام، إذ قد يكون بينهما قرون أخر متأخرة، لم يكونوا على الإسلام، لكن حديث أبي أمامة يدل على الحصر في عشرة قرون.
هل كان هناك أنبياء بين آدم ونوح؟
اختلفت الروايات فى ذلك، فقيل: إنّ أوَّل نبيٍ بعد آدم هو شيث، فعندما حضرت الوفاة سيدنا آدم عليه السلام أوصى إلى شيث وعهد إليه بأمر بَنِيه، وأوصاه بالقيام بشؤونهم ومتابعة أمورهم، فقد رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سأله أبو ذر -رضي الله عنه- عن الأنبياء والرسل: (... قُلْتُ: يا رسولَ اللهِ كمِ الأنبياءُ؟ قال: (مئةُ ألفٍ وعشرونَ ألفًا)، قُلْتُ: يا رسولَ اللهِ كمِ الرُّسلُ مِن ذلك؟ قال: (ثلاثُمئةٍ وثلاثةَ عشَرَ جمًّا غفيرًا) قال: قُلْتُ: يا رسولَ اللهِ مَن كان أوَّلَهم؟ قال: (آدَمُ) قُلْتُ: يا رسولَ اللهِ أنبيٌّ مرسَلٌ؟ قال: (نَعم خلَقه اللهُ بيدِه ونفَخ فيه مِن رُوحِه وكلَّمه قبْلًا)، ثمَّ قال: (يا أبا ذرٍّ أربعةٌ سُريانيُّونَ: آدمُ وشِيثُ وأخنوخُ وهو إدريسُ وهو أوَّلُ مَن خطَّ بالقلمِ ونوحٌ، وأربعةٌ مِن العربِ: هودٌ وشعيبٌ وصالحٌ ونبيُّك محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)، قُلْتُ: يا رسولَ اللهِ كم كتابًا أنزَله اللهُ؟، قال: (مئةُ كتابٍ وأربعةُ كُتبٍ أُنزِل على شِيثَ خمسونَ صحيفةً ...)..
أما شيث فهو ابن سيدنا آدم -عليهما السلام- ومعنى اسمه هو: "هبة الله"، وقد قيل أن مولده كان بعد وفاة هابيل، لذلك سماه آدم بشيث "هبة الله"، ولما فرَّ قابيل من الجبال إلى السهول برفقة زوجته، بعد أن قتل أخوه هابيل اصطفى الله تعالى شيث عليه السلام من ولد آدم، فكان يعين والده آدم - عليهما السلام - في أمور الدعوة والإرشاد، وقد ترافق ذلك مع ازدياد البشرية، وتناسل وتكاثر بني آدم، ولما توفي آدم عليه السلام تولى شيث عليه السلام الأمر .
وبدأ يشرِّع للناس أمور دينهم، وكان يبين لهم الحلال والحرام، وقد أنزل الله - سبحانه وتعالى - عليه خمسين صحيفة كما سبق ذكره من حديث أبي ذر سالف الذكر، ومن الشرائع التي جاء بها شيث بن آدم تحريم الاختلاط مع قوم قابيل، الذين أفسدوا في الأرض بسوء أخلاقهم، وقد التزم الناس بذلك الأمر فلم يختلطوا بقوم قابيل ولم ينزلوا إلى السهول حتى توفي شيث، بعد ذلك عُهد الأمر إلى ابنه أنوش، ولم يُرسل إلى أحد من الخلق بعد أنوش بل بقي الناس دون نبي، وكان الناس في تلك الفترة ملتزمين بأوامر آدم وتشريعاته وتشريعات ابنه شيث عليهما السلام.
بعد فساد الناس وعصيانهم لأمر شيث وأبوه آدم بعث الله تعالى إلى إدريس عليه السلام، واسمه هو أخنوخ، إنما سمي إدريس لكثرة دراسته لكتاب الله وعبادته لله أما اسمه فهو إدريس بن مهلاييل بن قينن بن أنوش بن شيث بن آدم، ولد في حياة آدم، وعاش معه ما يقارب مئة وعشرين سنة، وقد كان إدريس - عليه السلام - أول من شرع القتال في سبيل الله، فقد جهز جيشاً وهاجم قوم قابيل فهزمهم، وكان ذلك سبباً في تقليص شرورهم وإضعاف شوكتهم..
بينما هناك رأي آخر بأن نوح هو أول الأنبياء يذكر بعض العلماء أن أول نبي بُعث إليه بعد آدم لم يكن شيثاً، إنما هو نوح عليه السلام، وقد نُقل ذلك عن عددٍ من أهل العلم، فقد روى الحاكم وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين)، كما روى ابن جرير الطبري عن قتادة في تفسير قول الله تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً)،[٨] فكان أول نبي بُعِث هو نوح عليه السلام.