نقرأ معا كتاب "معنى الحياة: مقدمة قصيرة جدًّا" لـ تيري إيجلتون، ترجمة شيماء طه الريدي، مراجعة هبة نجيب مغربي، والصادر عن مؤسسة هنداوي، وينطلق من فكرة أنه لطالما تساءلنا جميعًا عن معنى الحياة! فهل من إجابةٍ لهذا السؤال؟ وهل لأيِّ إنسان الحق فى أن يُعرِّفها كيفما يشاء؟ أم أنه مجرد سؤال زائف؟
يوضِّح لنا تيري إيجلتون كيف أن المفكرين على مدار قرون — بداية من شكسبير وشوبنهاور إلى ماركس وسارتر وبيكيت — قد تناولوا بالدراسة هذا السؤال الذي أصبح يمثل إشكالية خاصة في عصرنا الحديث.
ويقول إيجلتون: "سيكون الكثير من قراء هذا الكتاب على الأرجح يشككون في عبارة "معنى الحياة" قدر ما يشككون في حقيقة شخصية بابا نويل" ولكنه يؤكد أنه في عالم نحتاج فيه لأن نجد معاني مشتركة، من الضروري أن نشرع في إجابة أهم سؤال بين كل الأسئلة، ثم في النهاية، يقدم لنا إجابته الخاصة.
ربما كانت شعوب ما قبل الحداثة بشكل عام — على الرغم من ادعاءات هايدجر شديدة العمومية — قد ابتليت بدرجة أقل بسؤال معنى الحياة منا نحن الشعوب المعاصرة، ولم يكن ذلك يرجع فقط لأن معتقداتهم الدينية كانت أقل عرضة للتساؤل، ولكن أيضًا لأن ممارساتهم الاجتماعية كانت أقل إشكالية، ربما كان أساس معنى الحياة في مثل هذه الظروف يكمن إلى حد ما في القيام بما كان يفعله أجدادك، وما كانت تتوقعه منك الأعراف الاجتماعية العتيقة، فالدين والأساطير متواجدان من أجل توجيهك فيما هو مهم بشكل أساسي، وفكرة أن من الممكن أن يكون هناك معنى فريد لحياتك بالنسبة لك — يختلف إلى حد كبير عن معنى حياة الآخرين — لم تكن لتحصد الكثير من الأصوات المؤيدة، فمعنى حياتك يتألف بشكل عام من وظيفته ضمن كيان كلي أعظم، وخارج هذا السياق أنت مجرد دلالة جوفاء لا معنى لها.
فكلمة "فرد" تعني في الأصل "لا يتجزأ" أو "لا ينفصل عن، ويبدو أن شخصية أوديسيوس التي رسمها هوميروس تشعر بهذا تقريبًا، فيما يبتعد هاملت شكسبير عن هذا الشعور بشكل شبه مؤكد.
إن الشعور بأن معنى حياتك هو وظيفة ضمن كيان أعظم لا يتعارض إطلاقًا مع امتلاك إحساس قوي بالفردية، فمعنى الفردية — وليس حقيقتها — هو ما على المحك هنا، وهذا لا يعني أن الناس في عصر ما قبل الحداثة لم يكونوا يسألون أنفسهم عن هويتهم أو ماذا يفعلون هنا، إن ما نعنيه ببساطة أنهم كانوا فيما يبدو أقل حماسًا بشكل عام إزاء هذا السؤال من ألبير كامو أو تي إس إليوت على سبيل المثال، ويرتبط ذلك بشكل كبير بإيمانهم الديني.
ولو أن ثقافات ما قبل الحداثة بشكل عام كانت أقل انشغالًا بمعنى الحياة من فرانز كافكا، لكان الشيء نفسه قد انطبق فيما يبدو على ثقافات ما بعد الحداثة. ففي المناخ البراجماتي الذي يتمتع بالقدرة على التعامل مع المواقف الصعبة الذي تتميز به رأسمالية ما قبل الحداثة المتقدمة، بتشكيكها في الصور الكبيرة والسرديات الكبرى، وتحررها الواقعي من كل ما هو ميتافيزيقي، تعتبر «الحياة» واحدة ضمن سلسلة كاملة من الكيانات الكلية غير الموثوق بها. فنحن مُطالَبون بالتفكير على نطاق محدود بدلًا من التفكير على نطاق كبير وطموح؛ في الوقت الذي يفعل فيه بعض ممن يسعون لتدمير الحضارة الغربية العكس تمامًا، وهو ما يثير السخرية. وفي إطار الصراع الدائر بين الرأسمالية الغربية والإسلام المتطرف، نجد ندرة في الإيمان في مواجهة وفرة بالغة منه. فيجد الغرب نفسه في مواجهة هجوم ميتافيزيقي عنيف بالتزامن مع المرحلة التاريخية التي تجرد فيها من الأسلحة الفلسفية إن جاز التعبير. وفيما يتعلق بمسألة الإيمان، تفضل حركة ما بعد الحداثة التنقل بأقل عدد من الأحمال: فلا شك أن لها معتقدات، ولكن ليس لديها إيمان.