شارك الشاعر الكبير الدكتور أحمد بلبولة "انفراد" قصيدة بعنوان "العصر الذهبى"، وذلك ضمن مبادرة لمشاركة كبار وشباب الشعراء فى قراءة نصوصهم خلال فترة العزل المنزلى ضمن الإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا، بالصوت والصورة.
وتقول كلمات القصيدة:
العصر الذهبي
آهِ مَنْ يُرْجعُ عصرا ذهبيا
كنتُ فيه ولدا غضًّا طريا
القرى تدفعني تلو القرى
لخضارٍ يتناءى طُحْلُبيّا
لسواقٍ..، ماؤها يشربني
وهْيَ تُلْقي ماءها في راحتيّا
لكراريسَ، لبنتٍ عبرت
كخيال لم تُكلّم بشريا
لمواويلَ، لرهطٍ جلسوا
حول أستاذ لهم كان نبيّا
لحياةٍ صُوِّرَتْ من سحرها
ببغاءً، أو حصانا خشبيا
لنداء غامض يسكننا
لم يكن شعرا ولا كان وُحِيّا
جنةً كان، وكانت ثمرا
يتدلى من أعاليه جنيَّا
آه من يرجع عصرا ضائعا
في مدار يتمرأى لولبيا
لم أكن أعلم أني كلما
أبصرَتْ عينايَ لا أبصر شيّا
"كلما فزتُ بعام خَسِرَتْ
مهجتي عاما" كمن يُدْفَنُ حيّا
كلما سرتُ فمن خلفي أرى
أجملَ العُمْر وما كنتُ نَسِيّا
أحياةٌ تلكَ أم أحجيةٌ
وأنا أرتدُّ مني وإليّا؟!
أَفْسَدتْ أخرايَ أولايَ
فما بالُه لا يُمْسِكُ الرَّمْلُ يديّا
رجلا صرتُ، تزوّجتُ، وأنجبتُ
بنتينِ، ولم أوهَبْ صبيّا
وكتبتُ الشعر إلا غرضا
واحدا ما زال صعبا وعصيّا
وتَعَلَّمْتُ تَعَلَّمْتُ فلم
أُدْرِك العِلمَ الذي صار لديّا
إنني أشتاقُ أُنْسًا غائبا
وحنانا من لدُنِّي سرمديّا..
أفرارا منك يا عقلُ؟! -نعم
أجنوحا وجموحا عاطفيا؟
- ربما؛ لكنني أَوْحَشَني
ركضيَ البريُّ: معنىً ورِئِيّا
أنْهَكَتْني خططٌ محكمةٌ
لم تزلْ تطلبُ صَيْدًا شَبَحِيّا
أملٌ في الناس يستوقفني
وطموحٌ كان يبدو بي حريّا
ونضالٌ كاد أو أوشك أن
يغزل الشمس قميصا عربيا
شارك الثوارَ حتى سَقَطَتْ
وحدها المومياءُ: شاشا وحُليّا
أنهكتني بلدٌ أنهكَها
من أراد الشعب أن يبقى غبيا
أنهكتني مثلما أنهكها
موتُ معنايَ وقد كان فتيّا
انخداعي في الذي ما اخترتُه
واضطراري أن أُرَى طَلْقَ المُحَيّا
والرضا بالأمر حتى ينتهي
وقتُه، والصبرُ.. لو كان وفيّا
وسلامي للذي يَطْعَنُني
واحتمالي للذي عفَّنَ فيّا
والليالي وهْيَ وعْدٌ باهتٌ
والصباحاتُ وما مرَّت عَلَيَا
أُطْعِمُ الوغْدَ الذي ربَّيْتُه
داخلي؛ كي يُشْبِهَ الوغدَ هَوَيَّا
وأرى الآخرَ نِدًّا ساقطا
حَسْبَنِيًّا ينتمي أو سلفيا
موتُ معنايَ الذي أنهكني
أن أرى الآخر مثلي آدميّا
أن أرى الناس جميعا أسرةً
والنقيضينِ على الأرض سويّا
أن أرى نفسيَ في مرآتها
أن أرى وجهي: سعيدا وشقيا
أن أرى العدل الذي أعرفه
مدنيًّا لا إماما قرشيّا
آهِ من يُرْجِعُ عصرا كنتُهُ
كوجودي أَنْتَحِي رُكْنا قَصِيّا
ناعمَ البال.. فلا إثمَ سوى
رشِّيَ القطنَ مُبِيدًا حَشَرِيّا
ناظرا للأفق أو منتظرا
لرعاةٍ سيعودون عَشِيّا
نغما كنتُ به منسجما
قبل أن أصبح وحشا بربريا
آه من يرجع عصرا ذهبيا
آه من يرجع عصرا ذهبيا
***
أحمد بلبولة، شاعر وأكاديمى مصرى، تخرج بكلية دار العلوم وعمل بها معيدا بقسم الدراسات الأدبية عام 1998، وتدرج بالمناصب حتى شغل منصب أستاذ بقسم الدراسات الأدبية، كما عمل أستاذا بجامعة هانكوك للدراسات الأجنبية بكوريا الجنوبية عام من عام 2009 حتى 2013، شارك في العديد من الندوات، والأمسيات الشعرية، والمهرجانات التي حضرها كبار شعراء مصر والعالم العربي، صدر له ديوان شعر عن دار الهاني للطباعة والنشر، تحت عنوان: "هبل" في 2004.