نواصل مع المفكر العربي الكبير جواد على (1907 – 1987) قراءة التاريخ العربي قبل الإسلام والتعرف على قبائلهم وعلاقاتهم الداخلية والخارجية وذلك من خلال الكتاب المهم "المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام".. ونتحدث اليوم عن قبيلة "كندة".
يقول جواد على:
كندة قبيلة قحطانية فى عرف النسابين، تنسب إلى "ثور بن عفير بن عدى بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن زيد بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ"، و"ثور" هو كندة".
وقد عرفت عند الأخباريين بـ"كندة الملوك" لأن الملك كان لهم على بادية الحجاز من بنى عدنان، ولأنهم ملكوا أولادهم على القبائل. وكانوا يتعززون بنسبهم إلى كندة، وإلى "آكل المرار"، لأنهم كانوا ملوكًا.
و"كندة" هي "كدت" القبيلة التي ورد اسمها في نصوص المسند، مثل نص "أبرهة"، بل ورد اسمها في النصوص المذكورة قبل هذا العهد بكثير إذ ورد فى النص: "JAMME 635". المدون في أيام الملك "شعر أوتر" ملك سبأ وذى ريدان، وقد كانت قد انضمت إلى حلف معاد للملك المذكور على نحو ما تحدثت عنه، وكان يحكم "كدت" كندة في ذلك الوقت ملك اسمه "ربعت"، أي "ربيعة"، وذكر أنه من "ذ ثورم" "ذ الثورم"، أي من "الثور" "آل ثور"، وأنه كان ملكًا على "كدت" كندة وعلى "قحطن" أي "قحطان".
فنحن على هذا النص أمام مملكة كندية كانت قد تكونت في أيام "شعر أوتر" أي في النصف الثاني من القرن الأول قبل الميلاد، وذلك فيما لو جارينا رأي "جامة" وسرنا مسراه في تقديم أيام "شعر أوتر"، وقبل هذا الوقت فيما لو ذهبنا مذهب غيره ممن يرجعون مبدأ تأريخ سبأ إلى أقدم من تقديره ومن تقدير "ريكمنس"، ونحن أيضًا بموجبه أمام ملك من ملوك كندة اسمه "ربعت ذا الثورم". أي "ربيعة" من "الثور"، أي من "آل ثور"، فهو إذن من صميم كندة، وقد رأينا أن أهل الأخبار ينسبون كندة إلى "ثور بن عفير"، ويظهر أنهم أخذوا "ثور" القديم، وهو اسم عائلة أو بيت أو عشيرة من كندة، فصيروه الجد الأكبر لكندة، وأعطوه النسب الطويل المذكور.
وكانت كندة "كدت" مستقلة وعلى رأسها ملك، في أيام "الشرح يحضب" كذلك، وكان ملكها إذ ذاك من المناهضين المعادين للملك "الشرح يحضب"، فاشترك كما رأينا في أثناء بحثنا عن "الشرح" في الحلف الكبير الذي تألف ضد مملكة "سبأ وذي ريدان"، والذي امتد من الجنوب نحو الشمال، وشمل البر والبحر، وقد أصيبت "كندة" بهزيمة في القتال الذي نشب بينها وبين جيش "سبأ"، ووقع ملكها واسمه إذ ذاك "ملكم" مع عدد من رؤسائها وكبرائها "مراس وأكبرت"، في الأسر، وسيقوا إلى "مأرب"، وأبقوا في الأسر حتى وافقوا على وضع أولادهم رهائن عند ملك "سبأ وذي ريدان" وعلى إعطاء عهد بعدم التحرش مرة أخرى بمملكة "سبأ وذي ريدان" وبمساعدة أعدائها، وقد وافق "مالك" على إعطاء عهد بما طلب منه ووضع ابنه رهينة، كما وضع رؤساء وكبراء كندة أولادهم رهائن لديه، فأفرج بذلك عنهم.
وقد فقدت كندة بعد هذا العهد استقلالها في وقت لا نستطيع تحديده الآن، لعدم ورود شيء عنه في النصوص، وصارت خاضعة لحكم دولة "سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت".