نقرأ معا كتاب "الكوارث العالمية: مقدمة قصيرة جدًّا" بيل ماجواير، ترجمة أشرف عامر، مراجعة شيماء عبد الحكيم طه، صدر عن مؤسسة هنداوى.
ينطلق الكتاب من فكرة أن الحياة على كوكب الأرض ستنتهى حتمًا، إنها مسألة وقت فحسب، ويركِّز كتاب "الكوارث العالمية: مقدمة قصيرة جدًّا" على الكوارث العديدة المحتمَلة التي قد تواجه كوكب الأرض والجنس البشري فى المستقبل، ويلقى نظرة على احتمالية وقوع تلك الأحداث وفُرص نجاتنا منها.
يؤكد الكتاب أن الخطر الأكبر الذى يواجه الأرض هو "الاحترار العالمي" وينتقل الكتاب من مناقشة التبعات المحتمَلة لظاهرة الاحترار العالمى الحالية إلى الهلاك الحتمى لكوكب الأرض فى المستقبل البعيد عندما تغلِّفه الشمس التي ستستحيل عملاقًا منتفخًا.
وبين ثنايا هذا الطرح، يتطرق الكتاب لعدد مختلف من السيناريوهات المتوقَّعة لنهاية العالم، من بينها العصر الجليدي الجديد، واصطدام كوكب الأرض بأحد المذنبات أو الكويكبات، والثورات البركانية الهائلة، وأمواج تسونامى العاتية.
يقول الكتاب:
لا يقتصر مفهوم الاحترار العالمي على فصول صيفٍ أكثر حرارة، وفيضانات في فصل الشتاء، وما تطلقه الأبقار من غازات، ليس هناك أدنى شك في أن حرارة الأرض ترتفع بسرعة، ولا يختلف في هذا سوى قلة من علماء المناخ، يكمن الخلاف فيما إذا كان الاحترار الذي نشهده الآن يعكس ببساطةٍ تحوُّلًا طبيعيًّا في الاتجاه الذي تسلكه درجة الحرارة العالمية مؤخرًا، أم أنه بسبب التلوث الناجم عن الأنشطة البشرية منذ أن وَجدت الثورة الصناعية لنفسها موطئ قدم راسخًا، الأمر الذي أراه غير مسئول بالمرة هو أن هذا الخلاف لا يزال يُطرح — على الأقل في بعض الدوائر — وكأنه معركة بين مدرستين فكريتين علميتين متكافئتَي الحجم وعلى القدر نفسه من الإقناع، في حين أن حقيقة الأمر أبعد ما تكون عن ذلك.
إن التنبؤ بتغيُّر المناخ أمر صعب للغاية، وهو ما يفسر السبب وراء خضوع النماذج الخاصة بارتفاع درجات الحرارة وتغيرات مستوى سطح البحر فى المستقبل للمراجعة المستمرة، لكن الدليل الآن دامغ، فالأنشطة التي يقوم بها البشر هي المحرك للفترة الحالية من الاحترار العالمى.
باستثناء عدد قليل من العلماء المنشقين عن السرب، والمدافعين عن شركات النفط، ورئيس أكثر الدول تلويثًا للعالم، هناك إجماع كاسح بين من يدركون حقائق الأمور على أن الوضع سيزداد سوءًا ما لم نقلل من انبعاثات الغازات الدفيئة، ومن المثير للدهشة أن هناك من لا يزال يُقلل من شأن هذا الاحتمال ويُخفيه عمدًا وراء ستار من التشويش، وآخر هؤلاء — في رأيى — الإحصائى الدانماركى الواهم بيورن لومبورج، ففي كتابه الذي لاقى نقدًا واسعًا "البيئي المتشكك"، يسخر لومبورج من ظاهرة الاحترار العالمى وأثرها فى المستقبل، وفي الوقت نفسه — وعن طريق الإشارة إلى أبحاث علمية انتقائية للغاية — يَخْلُص إلى استنتاجٍ مفادُه أن العالم على ما يرام، إذا كنت قد قرأت هذا الكتاب، وتملكك شعورًا زائفًا بالأمان من رسالته التي تبث في النفس شعورًا بالرضا وبعدم الحاجة لفعل أي شيء، فاسمح لي أن أعيدك إلى الواقع عن طريق سردِ قليلٍ من الحقائق ذات الصلة.
على مدار السنوات السبعين الماضية، كانت الأرض أكثر سخونة مما كانت عليه في أي وقت آخر خلال الألفية الماضية، وقد تسارع الاحترار تسارعًا كبيرًا في العقود القليلة الماضية، لا شك أنَّ لدى كلٍّ منا واحدًا على الأقل من الأقارب المسنين الذين يعودون بالذكرى دائمًا إلى وقتٍ كانت فيه فصول الصيف أكثر حرارة، والسماء أكثر زرقة.
ومع ذلك تُظهر سجلات الأرصاد الجوية أن هذه مجرد ذاكرة انتقائية، فالواقع يشهد أننا منذ عام ١٩٨٠ قد شهدنا ١٩ سنة من أكثر السنوات سخونة، بينما شهدت أواخر تسعينيات القرن العشرين أكثر الأعوام دفئًا في جميع أنحاء الكوكب ككل.
الأرض الآن أكثر دفئًا مما كانت عليه لأكثر من ٩٠ بالمائة من تاريخها الذي يمتد ٤٫٦ مليارات عام، وبحلول نهاية القرن الحادي والعشرين قد يشهد كوكبنا ارتفاعًا في درجات الحرارة أكثر مما كان عليه في أي وقتٍ على مدار ١٥٠ ألف سنة ماضية.
الحرارة المتزايدة التي نشهدها الآن ليست حدثًا مناخيًّا عارضًا، ولا يمكن أن تفسَّر بالكامل — كما يحاول البعض أن يفعل — على أساس حدوث اختلافٍ فيما ينبعث عن الشمس، وإن كان من الواضح أن لهذا تأثيرًا كبيرًا على المناخ.
بدلًا من ذلك، فإن هذه الحرارة المتزايدة هي نتيجة قرنَين من التلوث الذى صار الآن يغلف الأرض بغلاف عازل من ثانى أكسيد الكربون، والميثان، وأكسيد النيتروز، وغيرها من الغازات الدفيئة.
منذ أواخر القرن الثامن عشر والجنس البشري منخرط في تجربة كوكبية عملاقة لا ندري شيئًا عن نتيجتها النهائية سوى تخمينات. وللأسف فإن تلك التجربة قد دخلت الآن مرحلة جموح، وبسبب القصور الذاتي لا يسعنا أن نوقفها على الفور، لكن يمكننا أن نبطئ من سرعتها فحسب.
وحتى لو استطعنا أن نثبِّت انبعاثات الغازات الدفيئة اليوم، فسوف تستمر درجات الحرارة ومستويات مياه البحار في الارتفاع لعدة مئات من السنين. والسؤال المهم هنا: هل لدينا العزم على القيام بهذا أم سنفرُّ من المشكلة ويهتم كل واحد منَّا بنفسه فقط وإن هلك الآخرون؟ دعونا نتوجه إلى المختبر لنرى كيف تسير الأمور.