يشكل كتاب "البداية والنهاية" لـ الحافظ ابن كثير أحد أشهر الكتب التى يرجع إليها الباحثون عن كتب التراث الإسلامى وأئمة المساجد وخطباء أيام الجمعة، وملقو الدروس، ومعا سوف نقرأ بعض أجزاء الكتاب، ثم أترك لك حق التفكير فيما ورد فيه، واليوم نقرأ ما يتعلق بـ "الكرسى"
يقول كتاب البداية والنهاية:
عن ابن عباس وسعيد بن جبير أنهما قالا فى قوله تعالى: { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ } أى علمه.
والمحفوظ عن ابن عباس كما رواه الحاكم فى (مستدركه)، وقال إنه على شرط الشيخين ولم يخرجاه من طريق سفيان الثورى، عن عمار الدهنى، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال: الكرسى موضع القدمين، والعرش لا يقدر قدره إلا الله عز وجل.
وقد رواه شجاع بن مخلد الفلاس فى (تفسيره): عن أبى عاصم النبيل، عن الثوري، فجعله مرفوعًا.
والصواب: أنه موقوف على ابن عباس.
وحكاه ابن جرير: عن أبى موسى الأشعرى، والضحاك بن مزاحم، وإسماعيل ابن عبد الرحمن السدى الكبير، ومسلم البطين.
وقال السدى عن أبى مالك: الكرسى تحت العرش.
وقال السدي: السموات والأرض فى جوف الكرسى، والكرسى بين يدى العرش.
وروى ابن جرير، وابن أبى حاتم: من طريق الضحاك، عن ابن عباس أنه قال: لو أن السموات السبع، والأرضين السبع، بسطن ثم وصلن بعضهن إلى بعض ما كن فى سعة الكرسى إلا بمنزلة الحلقة فى المفازة.
وقال ابن جرير: حدثنى يونس، حدثنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: حدثنى أبى قال: قال رسول الله ﷺ:
"ما السموات السبع فى الكرسى إلا كدارهم سبعة ألقيت فى ترس".
قال: وقال أبو ذر سمعت رسول الله ﷺ يقول:
" ما الكرسى فى العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهرى فلاة من الأرض ".
أول الحديث مرسل. وعن أبى ذر منقطع.
وقد روى عنه من طريق أخرى موصولًا.
فقال الحافظ أبو بكر بن مردويه فى (تفسيره): أخبرنا سليمان بن أحمد الطبراني، أنبأنا عبد الله ابن وهيب المغربي، أنبأنا محمد بن أبى سرى العسقلاني، أنبأنا محمد بن عبد الله التميمي، عن القاسم بن محمد الثقفي، عن أبى إدريس الخولاني، عن أبى ذر الغفارى أنه سأل رسول الله ﷺ عن الكرسي، فقال رسول الله ﷺ:
"والذى نفسى بيده ما السموات السبع والأرضون السبع عند الكرسى إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وإن فضل العرش على الكرسى كفضل الفلاة على تلك الحلقة".
وقال ابن جرير فى (تاريخه): حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن سفيان عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير قال: سئل ابن عباس عن قوله عز وجل: { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ } على أى شيء كان الماء؟
قال: على متن الريح، قال: والسموات والأرضون وكل ما فيهن من شيء تحيط بها البحار ويحيط بذلك كله الهيكل، ويحيط بالهيكل فيما قيل الكرسي.
وروى عن وهب ابن منبه نحوه.
وفسر وهب الهيكل فقال: شيء من أطراف السموات، يحدق بالأرضين والبحار كأطناب الفسطاط.
وقد زعم بعض من ينتسب إلى علم الهيئة أن الكرسى عبارة عن الفلك الثامن الذى يسمونه فلك الكواكب الثوابت. وفيما زعموه نظر، لأنه قد ثبت أنه أعظم من السموات السبع بشيء كثير، ورد الحديث المتقدم بأن نسبتها إليه كنسبة حلقة ملقاة بأرض فلاة، وهذا ليس نسبة فلك إلى فلك.
فإن قال قائلهم: فنحن نعترف بذلك، ونسميه مع ذلك فلكًا فنقول: الكرسى ليس فى اللغة عبارة عن الفلك وإنما هو كما، قال غير واحد من السلف بين يدى العرش كالمرقاة إليه. ومثل هذا لا يكون فلكًا.
وزعم أن الكواكب الثوابت مرصعة فيه لا دليل لهم عليه. هذا مع اختلافهم فى ذلك أيضًا كما هو مقرر فى كتبهم، والله أعلم.