نواصل مع المفكر العربى الكبير جواد على من خلال كتابه المهم "المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام" الذى يناقش تاريخ العرب وقبائلهم وعلاقاتهم وأيامهم، ونواصل اليوم التوقف مع ملوك الغساسنة.
يقول جواد على:
عدة ملوك الغساسنة على رواية حمزة اثنان وثلاثون ملكًا، ملكوا ستمائة وست عشرة سنة، أما "المسعودى"، فجعل عددهم أحد عشر ملكًا، وقد رتب المسعودى أسماء الملوك على هذا النحو: "الحارث بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس"، ثم "الحارث بن ثعلبة بن جفنة بن عمرو" ثم "النعمان بن الحارث بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن جفنة"، ثم "المنذر أبو شمر بن جبلة بن ثعلبة"، ثم "عوف بن أبى شمر"، ثم "الحارث بن أبى شمر" وكان ملكه حين بعث رسول الله، ثم جبلة بن الأيهم.
والأسماء المذكورة هى أقل من الرقم المذكور كما نرى بكثير؛ إذ هى سبعة فقط، على حين يجب أن تكون بحسب روايته أحد عشر اسمًا.
وفى الذى ذكره حمزة عن مدة حكم الغساسنة مبالغة. فلو أخذنا بالعدد الذى ذكره لمجموع حكم ملوكهم، وهو ست عشرة وستمائة سنة، لوجب علينا القول بأن ابتداء حكمهم كان حوالى الميلاد. وهو قول لم يقله أحد، ولا يؤيده أى سند أو دليل. والذى نعرفه أن مدة حكمهم هى دون المدة المذكورة بكثير، كما أن فى الترتيب الذى ذكره حمزة لملوكهم تكرارًا وزيادات. وهو يخالف ما نراه عند المؤرخين الآخرين الذى تعرضوا لآل غسان.
وتختلف قائمة "ابن قتيبة الدينوري" بأسماء ملوك غسان اختلافًا كبيرًا عن قائمة "حمزة" ومن قائمة "المسعودي". وقد ذكرت فيما مضى أنه جعل "الحارث بن عمرو" المعروف بمحرق أول ملك من ملوك غسان، ثم جعل من بعده الحارث الأعرج، ثم الحارث الأصغر، ثم النعمان، وهو شقيق الحارث الأصغر.
وقد ذكر أنه كان للنعمان بن الحارث ثلاثة بنين هم: حجر بن النعمان وبه كان يكنى، النعمان بن النعمان، وعمرو بن النعمان. وقال إن فيهم يقول حسان بن ثابت:
مَن يَغُرُّ الدَهرُ أَو يَأمَنُهُ ... مِن قَبيلٍ بَعدَ عَمرٍو وَحُجُر
مَلَكا مِن جَبَلِ الثَلجِ إِلى ... جانِبَى أَيلَةَ مِن عَبدٍ وَحُرّ
وقال "ابن قتيبة الدينوري": ومن ولد الحارث الأعرج أيضًا عمرو بن الحارث، الذى كان النابغة صار إليه حين فارق النعمان بن المنذر، وفيه يقول النابغة
ى لِعَمروٍ نِعمَةٌ بَعدَ نِعمَةٍ ... لِوالِدِهِ لَيسَت بِذاتِ عَقارِبِ
قال: وكان يقال لعمرو أبو شمر الأصغر، ومن ولده المنذر بن الحارث، والأيهم بن الحارث، وهو والد جبلة بن الأيهم آخر ملوك غسان.
وقد ذكر فى كتب السير والتواريخ اسم أمير غساني، هو الحارث بن أبى شمر الغساني، وهو الذى أرسل الرسول إليه شجاع بن وهب ليطلب إليه الدخول فى الإسلام، وكان ملكه على ما يذكره الأخباريون فى الشأم، وكان له قصر منيف وحجاب.
وذكر الطبرى أنه كان "صاحب دمشق". وقد أدخله "محمد بن حبيب" فى جملة "العرجان الأشراف". وقد عرف بـ"الحارث الأصغر" فى شعر لحسان بن ثابت.
وأرى أن الحارث بن أبى شمر هذا هو "الحارث" معاصر "جبلة بن الأيهم" الذى أشار حسان إليه.
وقد كان "حسان بن ثابت" زار الحارث بن أبى شمر الغساني، وكان النعمان بن المنذر اللخمى يساميه، فقال له وهو عنده: يابن الفريعة، لقد نبئت أنك تفضل النعمان على فقال: وكيف أفضله عليك ثم أخذ يشرح تفضيله له على النعمان حتى سر الحارث، ثم عاد حسان فنظم ما قاله نثرًا فيه فى أبيات زادت من سروره، وحصل على جوائزه وعطاياه.
وذكر أن حسان بن ثابت كان يفد على جبلة بن الأيهم سنة، ويقيم سنة فى أهله. فقال: "لو وفدت على الحارث أبى شمر الغسانى فإن له قرابة ورحمًا بصاحبي، وهو أبذل الناس للمعروف، وقد يئس منى أن أفد عليه لما يعرف من انقطاعى إلى جبلة". فخرج فى السنة التى كان يقيم فيها بالمدينة، حتى قدم على الحارث، وقد هيأ له مديحًا. فقال له حاجبه وكان له ناصحًا: "إن الملك قد سر بقدومك عليه، وهو لا يدعك حتى تذكر جبلة.
