بينما يحتفل المسلمون في جميع أنحاء العالم بحلول شهر رمضان المبارك، هذا الشهر المبارك الذي أنزل فيه القرآن الكريم، وفرض على الرسول الكريم وعباده المؤمنين الصيام، كفريضة وركن هام من أركان الإسلام الخمسة، أصبح الجميع يتحدث عن أهمية الصيام ودوره في إصلاح النفوس وتهذيبها من الشهوات.
وبينما قدر العلماء في الحضارات القديمة، والثقافات المختلفة في جميع أنحاء العالم، ومن بعدهم الأديان الإبراهيمية والشرقية، الصيام كوسيلة وأداء روحية لتهذيب النفس البشرية وتطهير الجسد من الخطايا البشرية، كانت هناك أنواع وأشكالا متعددة للصيام غير الانقطاع عن الطعام والشراب، مثلما ف الإسلام واليهودية وبعض الأديان الأخرى.
الصيام عن الكلام
"قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ" هكذا خاطب الله تعالى نبيه وعبده زكريا بأن يصوم عن الكلام ثلاثة أيام، وكان كنت تلك الواقعة الأشهر في التاريخ الدينى عن صوم اللسان.
وبشكل عام فإن الصيام عن الكلام، غرضه توقف اللسان عن التحدث بالكلام المؤذى أخلاقيا ونفسيا واجتماعا، واعتبره تقييدا للسان للنفس معا للابتعاد عن السلوكيات الخاطئة، وكانت بعض الشرائع والحضارات القديمة شاع لديهم الصيام عن الكلام، فعند السكان الأصليين لأستراليا كان على المرأة إذا مات زوجها أن تصوم عن الكلام لمدة قد تصل إلى العام.
الصيام عن الجنس
لا يعرف صيام محدد عن الجنس ذكر في الحضارات الشهيرة، ويبقى وسيلة علاجية وأداة شخصية يقوم بها الأشخاص لتهذيب أنفسهم عن الغرائز والشهوات، وفي خلال رمضان يتخلى المسلمون عن الأكل والشرب والجماع الجنسي، إلا في ساعات الإفطار فقط، فقد أحل الدين الإسلامي ذلك، أما اليهود في عيد الغفران، يصومون اليهود 25 ساعة دفعة واحدة. ويتخلون ابتداءً من غروب الشمس عن الأكل والشراب والجماع الجنسي وحتى عن تدخين السجائر.
الصيام عن النظافة
ربما يشمئز البعض عند قراءة ومعرفة تلك النوع من الصيام، لكن لعل الكثيرين لا يعرفون أن اليهود أحد أصحاب الديانات الإبراهيمية، يقومون بهذا الطقس الدينى، حيث يصوم اليهود ستة أيام فقط طوال العام، بغرض تجنب الأخطار والتخلص من كارثة أو محنة، واكتساب عطف الرب.
ويتبع اليهود في صيامهم طقوس التقشف، كالنوم على الأرض أو الامتناع عن الأكل، والشرب، والجماع، والاستحمام، وتغيير الملابس، والتعطر، وزيوت الجسم، وغسل الأسنان، والعمل، وارتداء الأحذية، منذ غروب الشمس إلى غروب اليوم التالي، ويتم إعفاء الأطفال والمرضى والنساء الحوامل والمرضعات من الصيام.
الصيام عن بعض أنواع الطعام
تمتثل الكثير من الديانات للصيام النباتي عن طريق الصيام عن المأكولات الحيوانية دون غيرها من المأكولات، منها الديانة "الجاينية" وهي إحدى الديانات التي تتبع في شعائرها قواعد الزهد والتحكم بالنفس وتحرير الروح من أجل الارتباط الإلهي بما في ذلك عدم تناول الطعام إلى درجة الشبع، كما تخضع الديانة الجاينية في صيامها لقواعد نباتية محددة ترجع إلى مبدأ راسخ في جوهر العقيدة الجاينية وهو اللاعنف تجاه جميع المخلوقات الحية فيمتنع معتنقي هذه الديانة عن جميع المأكولات الحيوانية بما في ذلك أكل البيض، ولكن من المسموح شرب الألبان ما لم يتم التعرض لأي حيوان بالعنف أثناء عملية إنتاج الحليب.
الصيام عن العمل
شرعت الديانة البوذية، طقس الصيام عن العمل، وبحسب عدد من الباحثين، فإن العديد من الأعمال تتوقف لمدة أربع أيام من كل شهرى قمرى كصيام عن العمل، وتسمى تلك الأيام بالـ "يوبوزاتا" وهم (اليوم الأول، والتاسع، والخامس عشر، والثاني والعشرين) بالتوافق مع منازل القمر الأربع، ويقتضي الصوم في تلك الأيام الإمساك عن أي نوع من أنواع الأعمال والتفرغ إلى التأمل وتفريغ الطاقات السلبية بالابتعاد عن أي عمل من أعمال الدنيا بما في ذلك التفوه بالبذاءة والغناء والرقص ووضع مستحضرات التجميل، ولذلك فإن أتباع الديانة البوذية يقومون بإعداد الطعام منذ اليوم السابق لأيام الصوم الأربعة لما في الصوم من حرمة القيام بأي نوع من الأعمال.
ويعتقد أن الطقس ويشبه إلى حد كبير الطقس اليهودي الخاص بتحريم مزاولة الأعمال في يوم السبت، ويُقال أن اليهود كانوا يمتنعون في هذا اليوم عن الطعام والشراب أيضًا حتى قصر الأمر فيما بعد على الامتناع عن مزاولة الأعمال فقط.
الصوم حتى الموت
يعد الصيام حتى الموت هو الإجراء الذي يتخذه أتباع الديانة اليانية الذين بلغ بهم المرض إلى حد يستعصي معه العلاج، وهذا النوع من الصيام لا يعد انتحارًا في نظرهم، لأنه لا يحدث تحت تأثير الغضب والحزن أو غيرهما من المشاعر السيئة، وإنما هو قرار يؤخذ في وقت يكون الموت فيه حتميًا بسبب المرض، وبداعي الزهد يقرر الإنسان التخلي عن كل ما هو مادي بغرض تطهير الجسد من جميع الرغبات لإزالة الخطايا وتحرير الروح من مدار الولادة والاستعداد للبعث من جديد حسب اعتقادهم. ويقدر الخبراء بأنه وتحديدًا في الهند فإن هناك أكثر من 200 إنسان يموتون سنويًا بهذه الطريقة التي تسمى بالسانثارا التي يطالب البعض بتجريمها ومنعها، ويعتبرها أتباع الديانة الجاينية فضيلة كما يقول "سادفي شوبانكار" الكاهن لدى الديانة الجاينية: "إنه ليس عملًا إنتحاريًا، بل هو تفكير عقلاني وشجاعة".