اقرأ مع جواد على .. "المفصل فى تاريخ العرب" كيف خرج أهل الحبشة من اليمن؟

نواصل مع المفكر العربى الكبير جواد على (1907- 1987) قراءة التاريخ العربى فى مرحلة ما قبل الإسلام والتعرف على أيامهم وعلاقاتهم الداخلية والخارجية وذلك من خلال كتابه المهم "المفصل فى تاريخ العرب" واليوم نتوقف مع خروج الحبش من اليمن. يقول جواد على: لقد عجل الحبش فى نهايتهم فى اليمن، وعملوا بأيديهم فى هدم ما أقاموه بأنفسهم من حكومة، باعتدائهم على أعراض الناس وأموالهم، وأخذهم عنوة كل ما كانوا يجدونه أمامهم، حتى ضج أهل اليمن وضجروا، فهبوا يريدون تغيير الحال، وطرد الحبشة عن أرضهم، وإن أدى الأمر إلى تبديلهم بأناس أعاجم أيضًا مثل الروم أو الفرس، إذا عجزوا هم عن طردهم، فلعل من الحكام الجدد من قد يكون أهون شرًّا من الحبش، وإن كان كلاهما شرًّا، ولكن إذا كان لا بد من أحد الشرين فإن أهونهما هو الخيار ولا شك. وهب اليمانون على الحبش، وثار عليهم ساداتهم فى مواضع متعددة غير أن ثوراتهم لم تفدهم شيئًا؛ إذ أخمدت، وقتل القائمون بها. ومن أهم أسباب إخفاقها أنها لم تكن ثورة عارمة عامة مادتها كل الجماهير والسادات، بل كانت ثورات سادات، مادة كل ثورة مؤججها ومن وراءه من تبع. هنا ثورة وهناك ثورة، ولم تكن بقيادة واحدة، أو بإمرة قائد خبير أو قادة متكاتفين خبراء بأمور الحرب والقتال، فصار من السهل على الحبش، الانقضاض عليها وإخمادها، أضف إلى ذلك أنها لم تؤقت بصورة تجعلها ثورات جماعية، وكأنها نيران تلتهب فى وقت واحد، يعسر على مخمدى النيران إخمادها، أو إخمادها على الأقل بسهولة. ولتحاسد الأقيال وتنافسهم على السيادة والزعامة نصيب كبير فى هذا الإخفاق، لذلك وجه بعض السادة أنظارهم نحو الخارج فى أمل الحصول على معونة عسكرية أجنبية خارجية، تأتيهم من وراء الحدود، لتكره الحبش على ترك اليمن. وكان صاحب هذا الرأى والمفكر فيه "سيف بن ذى يزن"، من أبناء الأذواء ومن أسرة شهيرة. وقد نجح فى مشروعه، فاكتسب صفة البطولة وانتشر اسمه بين اليمانيين، حتى صير أسطورة من الأساطير، وصارت حياته قصة من القصص أمثال قصة أبى زيد الهلالى وعنترة وغيرهما ممن تحولوا إلى أبطال تقص حياتهم على الناس فى المجالس وفى المقاهى وحفلات السمر والترفيه، أو تقرأ للتسلية واللهو. و"سيف بن ذى يزن"، هو "معد يكرب بن أبى مرة"، وقد عرف أبوه أيضًا بـ"أبى مرة القياض"، وكان من أشراف حمير، ومن الأذواء. وأمه "ريحانة بنة علقمة"، وهى من نسل "ذى جدن" على نحو ما ذكرت يقال إن أبرهة لما انتزع ريحانة من بعلها "أبى مرة"، فر زوجها إلى العراق فالتجأ إلى ملك الحيرة "عمرو بن هند" على ما يظن، وبقى "معديكرب" مع أمه فى بيت "أبرهة" على ذلك مدة، حتى وقع شجار بينه وبين شقيقه من أمه "مسروق" الذى ولى الملك بعد موت أخيه "يكسوب" فأثر ذلك فى نفسه وحقد على "مسروق" فلما مات يكسوم، خرج من اليمن، حتى قدم على قيصر ملك الروم، فشكا ما هم فيه، وطلب إليه أن يخرجهم عنه، ويليهم هو ويبعث إليهم من يشاء من الروم، فيكون له ملك اليمن، فلم يشكه ولم يجد عنده شيئًا مما يريد، فخرج حتى قدم الحيرة على النعمان بن المنذر، فأسكنه عنده ثم أوصله بكسرى، وحدثه فى شأنه وفى خاطره فى قومه، فأمده بثمانى مائة محارب، وبـ "وهرز" أمره عليهم، وبثمانى سفن جعل فى كل سفينة مائة رجل وما يصلحهم فى البحر، فخرجوا، حتى إذا لجوا فى البحر غرقت من السفن سفينتان بما فيها، فخلص إلى ساحل اليمن من أرض عدن ست سفائن فيهن ستمائة رجل فيهم وهرز وسيف بن ذى يزن، نزلوا أرض اليمن، فلما سمع بهم مسروق بن أبرهة، جمع إليه جنده من الحبشة، ثم سار إليهم، فلما التقوا رمى "وهرز" مسروقًا بسهم، فقتله، وانهزمت الحبشة، فقتلوا، وهرب شريدهم، ودخل "وهرز" مدينة صنعاء، وملك اليمن ونفى عنها الحبشة، وكتب بذلك إلى كسرى، فكتب إليه كسرى يأمره أن يملك سيف بن ذى يزن على اليمن وأرضها وأن يرجع وهرز إلى بلاده، فرجع إليها. ورضى سيف بدفع جزية وخرج يؤديه فى كل عام. وذكر "الطبري" فى رواية له أخرى عن "سيف بن ذى يزن" وعن مساعدة الفرس له، فقال: "فخرج ابن ذى يزن قاصدًا إلى ملك الروم، وتجنب كسرى لإبطائه عن نصر أبيه، فلم يجد عند ملك الروم ما يحب، ووجده يحامى عن الحبشة لموافقتهم إياه على الدين، فانكفأ راجعًا إلى كسرى". فقابله وحياه وقال لكسرى: "أنا ابن الشيخ اليمانى ذى يزن، والذى وعدته أن تنصره فما ببابك وحضرتك، فتلك العدة حق لى وميراث يجب عليك الخروج لى منه. فرقَّ له كسرى، وأمر له بمال. فخرج، فجعل ينشر الدراهم، فانتهبها الناس. فأرسل إليه كسرى: ما الذى حملك على ما صنعت: قال: إنى لم آتك للمال، إنما جئتك للرجال، ولتمنعنى من الذل، فأعجب ذلك كسرى، فبعث إليه: أن أقم حتى انظر فى أمرك. ثم إن كسرى استشار وزراءه فى توجيه الجند معه، فقال له الموبذان: إن لهذا الغلام حقًّا بنزوعه وموت أبيه بباب الملك وحضرته، وما تقدم من عدته إياه، وفى سجون الملك رجال ذو نجدة وبأس، فلو أن الملك وجههم معه، فإن أصابوا ظفرًا كان له، وإن هلكوا كان قد استراح وأراح أهل مملكته منهم، ولم يكن ذلك ببعيد الصواب. قال كسرى: هذا الرأي. وعمل به.




الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;