نقرأ معا كتاب "الدبلوماسية: مقدمة قصيرة جدًّا" تأليف جوزيف إم سيراكوسا، ترجمة كوثر محمود محمد، مراجعة علا عبد الفتاح يس، والصادر عن مؤسسة هنداوى، ويرى الكتاب أن استخدام الدبلوماسية يعود إلى زمن عتيق عبر حقب التاريخ المختلفة وصولا إلى العصر البرونزى، رغم بدائية الوسائل المستخدمة آنذاك مقارنة بالوسائل الدبلوماسية الحديثة.
وفى هذا الكتاب يستكشف المؤلف تطوُّر الدبلوماسية من منظور تاريخى بالاستعانة بأمثلة استقاها من مراحل تاريخية مهمة، مثل: الثورة الأمريكية، والحرب العالمية الثانية، ومعاهدة أنزوس.
ويدرس كيف استُخدمَت الدبلوماسية لتشكيل معالم العالم الذى نحيا فيه اليوم وتغييره، وتوضح دراسات الحالة التى اختارها لاستعراضها بين دفتَى هذا الكتاب أن الدبلوماسية كانت ولا تزال عنصرًا أساسيًّا فى الكفاءة السياسية، وأنه بدون الحنكة الدبلوماسية قد يكون النجاح السياسى هدفًا بعيد المنال.
يقول الكتاب:
يعود أصل كلمة "دبلوماسية" إلى قدماء الإغريق؛ فأطِقت لفظة الدبلوماسى فى اليونان القديمة، فى الواقع، على الرجل الكبير السن، ثم استُخدمت فيما بعدُ فى اللغة الفرنسية للإشارة إلى عمل المُفاوِض، وللنشاط الدبلوماسى بلا شك تاريخ طويل، يعود — بمعنى الكلمة — إلى آلاف السنين؛ فأول أثر باقٍ يدل على الأنشطة الدبلوماسية هو خطاب نُقش على لوح حجرى يعود إلى قرابة ٢٥٠٠ عام قبل الميلاد، عُثر عليه فى المنطقة المعروفة الآن بشمال إيران، وقد حمله على الأرجح مبعوث سافر ذهابًا وإيابًا قرابة ١٢٠٠ ميل بين مملكتين متباعدتين. وقد جرت عادة الحكام على إرسال المبعوثين بعضهم إلى بعض لعدة أسباب، كالحيلولة دون وقوع حرب، ووقف العداء وإبرام المعاهدات، أو لمجرد استئناف العلاقات السلمية وتعزيز التجارة بينهم، أما عهد الدبلوماسية الحديث فيعود وفقًا للمتعارف عليه إلى صُلح وستفاليا الذى عُقد عام 1648، والذى وضع حدًّا لنزاعات حرب الثلاثين عامًا، وأرسى مبدأ استقلال الدول، وحرية الاعتقاد والتسامح الديني.
أما أول وزارة خارجية فأسسها الكاردينال الفرنسى ريشيليو عام 1626، الذى طرح كذلك المنهج الكلاسيكى فى العلاقات الدولية، القائم على مبدأ الدولة المستقلة الذى تحركه المصالح القومية كهدف نهائي، وقد استخدمت بريطانيا العظمى فى القرن الثامن عشر سياساتها الدبلوماسية لخدمة توازن القوى الدولية، بينما استخدمت النمسا فى عهد مترنيش سياساتها الدبلوماسية لإعادة بناء مجلس أوروبا، الذى قامت فيما بعدُ ألمانيا فى عهد بسمارك بحله لتغير بذلك وجه الدبلوماسية الأوروبية وتجعلها — على حد تعبير هنرى كسنجر: "لعبة وحشية تدور حول سياسة القوة".