الأوبئة وانتشارها هى الخطر الأول الذى يداهم حياة الإنسان، ويهدد البشرية على هذا الكوكب، وقد كان لوجودها أثر كبير، حيث أنهت حياة الملايين، وتسببت فى خسائر بشرية واقتصادية لا تحصى، لكن لعله كانت لها أوجه أخرى، جعلتها تغير مجرى التاريخ.
فكما كانت للأوبئة آثارها فى إنهاء حياة الكثير من البشر، كان لها يد فى سقوط إمبراطوريات وتوقف حروب وانتصارات كبار القادة العسكريين فى العالم، وكان لها أيضا يد فى إنهاء العبودية وازدهار حركة التجارية.
الطاعون يعيق فتوحات الإسكندر الأكبر فى الهند
في مؤلفة "الأوبئة والتاريخ... المرض والقوة والإمبريالية" يصف الكاتب "شلدون" كيف أعاقت أمراض مثل الجذام والملاريا تقدم حملة الإسكندر الكبير في الهند عام 327 قبل الميلاد، بعدما هاجمت جنود وقادة ذلك الجيش الأسطورى الذي غزا العالم القديم وأخضع أجزاء واسعة منه، فوقع الإسكندر نفسه طريح الفراش إلى أن مات في ريعان شبابه، وهكذا تكون الأوبئة والأمراض المعدية قد لعبت دوراً كبيراً في إحداث تغيير فى مسار الأحداث فى المجتمعات الشرقية والغربية القديمة.
فى انهيار الإمبرطورية الرومانية
بحسب الباحث الهندى، ستانلى جونى بعض الأوبئة الأكثر فتكًا أثرت على مسار التاريخ البشرى، ومنها طاعون جوستنيان، حيث انتشر واحد من أعنف الأوبئة في التاريخ المسجل في مصر في القرن السادس وانتشر بسرعة إلى القسطنطينية، التي كانت عاصمة الإمبراطورية الرومانية الشرقية (البيزنطية).
وتمت تسمية الطاعون على اسم الإمبراطور البيزنطي جوستنيان آنذاك، وقد أدى التفشى، الذي امتد من القسطنطينية إلى الغرب والشرق على حد سواء، إلى مقتل ما بين 25 إلى 100 مليون شخص، وضرب الطاعون القسطنطينية عندما كانت الإمبراطورية البيزنطية في ذروة قوتها في عهد جوستنيان، وكانت الإمبراطورية الرومانية قبلها بسنوات قد غزت الكثير من مدن ساحل البحر الأبيض المتوسط الرومانى تاريخيًا، بما فى ذلك إيطاليا وروما وشمال أفريقيا.
"الموت الأسود" ألغى العبودية
يشير لوران-هنري فينيو إلى أنه عندما غزا الطاعون الأسود أواخر القرن الرابع عشر أوروبا التى كانت مزدهرة وكانت فيها المبادلات التجارية كثيفة والمدن مزدحمة ورحلات الاستكشاف فى ذروتها، استفاد الطاعون من هذا الازدهار، ووضع حداً له، وأعلن نهاية نظام العبودية الذى قام عليه مجتمع القرون الوسطى.
الانفلونزا الإسبانية أوقفت الحرب العالمية الأولى
كان وباء الأنفلونزا الإسبانية أحد الآثار الرئيسية لوقف الحرب، على الرغم من أن الإنفلونزا أصابت كلا الجانبين، فقد تأثر الألمان والنمساويون بشدة لدرجة أن التفشى عرقل هجماتهم، وكتب الجنرال الألمانى إريك لودندورف في مذكراته، مذكرات الحرب الخاصة، 1914-1918، أن الإنفلونزا كانت أحد أسباب هزيمة ألمانيا.
وشنت ألمانيا هجوم الربيع على الجبهة الغربية في مارس 1918، بحلول يونيو ويوليو، إلا أن المرض قد أضعف الوحدات الألمانية، "لقد عانى جيشنا، كانت الانفلونزا متفشية، غالبًا ما تركت ضعفا أكبر في أعقابها مما أدركه الأطباء، وتم توقيع الهدنة فى 11 نوفمبر 1918 التى أنهت الحرب، لكن الانفلونزا استمرت فى تدمير أجزاء من العالم لعدة شهور أخرى".
تأثيرات اقتصادية بعد الانفلونزا الإسبانية
وفي عام 1918، كان لوباء الانفلونزا نتائج اقتصادية فقد أوقف المبادلات كما كانت، وأعاد توجيه التجارة نحو سبل أخرى، وهذا شأن الأزمات الصحية المتكررة في الصين اليوم، مركز التصنيع فى العالم، فقد تحفز هذه الأزمات على تنويع مواقع الإنتاج والتزويد في العالم".