نواصل مع المفكر العربي الكبير جواد على قراءة تاريخ العرب قبل الإسلام، وذلك من خلال كتابه المهم "المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام" واليوم نبدأ الحديث عن "يثرب".
يقول جواد على:
كان ليثرب مكان مهم عند ظهور الإسلام، وفيها وفي أطرافها سكنت جاليات من يهود، وهي من المواضع التي يرجع تأريخها إلى ما قبل الميلاد.
وقد ذكرت في الكتابات المعينية، وكانت من المواضع التي سكنتها جاليات من معين، ثم صارت إلى السبئيين بعد زوال مملكة معين، ولعل هذا السكن هو الذي حمل النسابين على إرجاع نسب أهل يثرب إلى اليمن، فقالوا: إنهم من الأزد، وإنهم من "قحطان".
وللإخباريين كعادتهم آراء في الاسم، قالوا: إنها سميت "يثرب" نسبة إلى "يثرب بن قانية بن مهلائيل بن إرم بن عبيل بن عوص بن إرم بن سام بن نوح"، وكان أول من نزلها فدعيت باسمه. وقالوا: بل قيل لها "يثرب" من التثريب، وقالوا أشياء أخرى من هذا القبيل.
وزعم أهل الأخبار أن الرسول لما نزلها كره أن يسميها "يثرب"، فدعاها "طيبة"، و"طابة"، وذكروا لها تسعةً وعشرين اسمًا، منها "جابرة و"مسكينة" و"محبورة" و"يندر الدار" و"دار الهجرة".
ويذكر بعض أهل الأخبار أن أقدم من سكن "يثرب" فى سالف الزمان قوم يقال لهم "صُعل" و"فالج"، فغزاهم النبى "داود" وأخذ منهم أسرى، وهلك أكثرهم وقبورهم بناحية "الجرف"، وسكنها "العماليق"، فأرسل عليهم النبى "موسى" جيشًا انتصر عليهم، وعلى من كان ساكنًا منهم بـ"تيماء"، فقتلوهم، وكان ذلك في عهد ملكهم الملك "الأرقم بن أبي الأرقم"، ولم يترك الإسرائيلون منهم أحدًا، وسكن اليهود في مواضعهم، ونزل عليهم بعض قبائل العرب، فكانوا معهم واتخذوا الأموال والآطام والمنازل، ومن هؤلاء "بنو أنيّف"، وهم حي من "بليّ"، ويقال: إنهم بقية من العماليق، و"بنو مُريد" مزيد "مرثد"، حى من "بلى"، وبنو معاوية بن الحارث بن بُهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان، وبنو الجدمى "الجدماء" حي من اليمن، فعاشوا مع من كان بيثرب وأطرافها من اليهود، واتخذوا المنازل والآطام يتحصنون فيها من عدوهم إلى قدوم الأوس والخزرج إياها.
وكان قدوم "الأوس" و"الخزرج" على أثر حادث "سيل العرم"، فأجمع "عمرو بن عامر بن حارثة بن ثعلبة"، الخروج عن بلاده وباع ما له بمأرب، وتفرق ولده، فنزلت الأوس والخزرج "يثرب" وارتحلت "غسان" إلى الشام، وذهبت "الأزد" إلى عمان، وخزاعة إلى تهامة، وأقامت الأوس والخزرج بالمدينة ووجدوا الأموال والآطام والنخل فى أيدى اليهود، ووجدوا العدد والقوة معهم، فمكثوا معهم أمدًا وعقدوا معهم حلفًا وجوارًا يأمن به بعضهم بعضًا ويمتنعون به ممن سواهم، فلم يزالوا على ذلك زمانًا طويلًا، حتى نقضت اليهود عهد الحلف والجوار، وتسلطها على يثرب، فاستعان الأوس والخزرج بأقربائهم على اليهود، فغلبوهم، وصارت الغلبة للعرب على المدينة منذ ذلك العهد.