نواصل مع المفكر العربى الكبير جواد على (1907 – 1987) قراءة التاريخ العربى القديم، والوقوف عند تاريخ الأماكن ورجالها والقبائل وعلاقاتها وحروبها، وذلك من خلال كتابه المهم "المفصل فى تاريخ العرب" الذى صدر عام 1969، واليوم نتوقف مع منطقة "الطائف".
يقول جواد على:
والطائف على مسافة خمسة وسبعين ميلًا تقريبًا إلى الجنوب الشرقى من مكة، وهى على عكس مكة أرض مرتفعة ذات جو طيب فى الصيف، فيه زرع وضرع، وغنى جادت الطبيعة به على أهله، وقد كان وما زال مصيفًا طيبًا يقصده أهل مكة فرارًا من وهج الشمس.
وتقع الطائف على ظهر جبل غزوان، وهو أبرد مكان فى الحجاز، وربما جمد الماء فى ذروته فى الشتاء، وليس بالحجاز موضع يجمد فيه الماء سوى هذا الموضع، وبينها وبين مكة وادٍ اسمه نعمان الأراك، وهى كثيرة الشجر والثمر، وأكثر ثمارها الزبيب والرمان والموز والأعناب، ولا سيما الصيفى، وفواكه أخرى عديدة.
ومنطقة الطائف تمون مكة بالفواكه والبقول، وتحيط بها الأودية، ومن مواضعها "الوهط"، وهو واد، أو مكان مطمئن من الأرض مستوٍ، تنبت فيه العضاه والسمر والطلح والعرفط، وقد اتخذ بستانًا، صار لـ"عمرو بن العاص"، ثم لابنه، وقد عرف بكثرة كرمه وأنواع أعنابه.
وإلى الشرق من الطائف وادٍ يقال له "لِيَّة"، ذكر بعض أهل الأخبار أن أعلاه لثقيف، وأسفله لـ"بنى نصر بن معاوية" من هوازن.
وتأريخ مدينة الطائف تأريخ غامض، لا نعرف من أمره شيئًا، إذ لم تمس تربتها أيدى علماء الآثار بعد، كما أن السياح لم يجدوا فى الطائف كتابات قديمة بعد، ولكن مكانًا مثل الطائف لا بد أن يكون له تاريخ قديم، ولا يعقل أن يكون من الأمكنة التى ظهرت ونشأت قبيل الإسلام، وليس لنا من أمل فالحصول على شىء من تأريخ الطائف إلا بقيام العلماء بمناجاة تربتها واستدراجها لتبوح لم بما تكنه من كتابات مسجلة في الألواح تتحدث عن تأريخ هذا المكان المهم.
وقد عثر الباحثون فعلًا على كتابات مدونة على الصخور المحيطة بمدينة الطائف الحديثة وفي مواضع غير بعيدة عنها، وقد تبين أن بعضًا منها بالنبطية وبعضًا آخر بالثمودية، وأن بعضًا بأبجدية أخرى، وأن بعضًا بأبجدية القرآن الكريم، أي بقلم إسلامي، ولا يستبعد عثور العلماء في المستقبل على كتابات ستكشف عن تأريخ هذه البقعة، وعن تأريخ من سكنها قبل الإسلام وقبل ثقيف، وذُكر أن بعض كتابات يشبه شكلها شكل الأبجدية اليونانية، وكتابات أخرى يشبه خطها الخط الكوفى، عثر عليها في "بستان شهار" على مسافة كيلومترين إلى الجنوب من الطائف، غير أنها لم تدرس حتى الآن، ومكان مهم بالنسبة للطرق التجارية ولموقعه المعتدل الجميل، لا بد أن يكون قد لفت أنظار سكان العربية الغربية قبل الميلاد فسكنوه، ولا أستبعد إمكانية تدوين تاريخ صحيح لهذه المدينة إذا ما قام المنقبون بالبحث فيها وفى الأماكن القريبة منها لاستنطاقها، لتتحدث لهم عما عرفته من أخبار تلك الشعوب التى سكنت هذا الموضع قبل ثقيف.
ويزعم أهل الأخبار أن الطائف إنما سيمت طائفًا، بحائطها المطيف بها، أما اسمها القديم فهو "وج"، ولهم روايات عن كيفية قيام ذلك الحائط، وقد حاول بعض أهل الأخبار إعطاء الطائف مسحة دينية، فزعموا بأنها من دعوات إبراهيم، وأنها قطعة من أرض ذات شجر كانت حول الكعبة، ثم انتقلت من مكانها بدعوة إبراهيم، فطافت حول البيت، ثم استقرت في مكانها، فسميت الطائف، وزعمت أن جبريل اقتطعها من فلسطين، وسار بها إلى مكة فطاف بها حول البيت، ثم أنزلها حول الطائف.