تمر اليوم الذكرى الـ215، على تولى الوالى العثمانى محمد على باشا، حكم مصر، ليؤسس دولة حكم استمرت نحو 147 عاما لأبنائه وأحفاده، ويعتبر حكمه علامة محورية في تاريخها حيث قام بتحديثها بعد القضاء على المماليك، إذ ينسب له تأسيس مصر الحديثة، وذلك فى 17 مايو عام 1805م.
اشتهر محمد على بالذكاء والدهاء والمكر ما ساعده فى الوصول إلى حكم مصر، رغم صغر سنه فى هذه المرحلة، واستطاع التودد والتقرب من مشايخ البلد، ومن الشعب، حتى طالبوه هم انفسهم بتولى حكم البلاد، مما عده البعض بسبب خداعه، فهل تولى محمد على حكم مصر بـ"الحيلة".
المؤرخ الكبير عبد الرحمن الجبرتي وصف محمد علي بأنه مخادع، وكذاب يحلف الأيمان الكاذبة، ظالم لا عهد له، ولا ذمة، يضمر السوء، ونسب إليه استخدام العسف، والجور في نفس الوقت الَّذي يعد فيه بالعدل، لا يخفف من عسفه، وظلمه، واستبداده استجداء شيخ، ولقد دعت هذه الصفات البعض بأن يصور محمد علي بأنه ميكافللي، أو أنه تعلم على فكر ميكافللي (صاحب نظرية الغاية تبرر الوسيلة)، فقيل له ـ أي: محمد علي ـ مرة: إِن ميكافللي ألف كتابا اسمه الأمير، فكلّف أحد النصارى المحيطين به، واسمه "أرتين" بترجمة هذا الكتاب، وأن يوافيه كل يوم بصفحة مترجمة، فلما وصل إلى الصفحة العاشرة توقف عن المواصلة قائلا: بأنه يمتلك من الحيل ما لم يخطر لميكافللي على بال.
ولعل المؤرخ الدكتور عبد الحكيم عبد الغني قاسم يوضح فى كتابه " تاريخ البعثات المصرية إلى أوروبا عصر محمد علي"، صفات مؤسس الأسرة العلوية وكيف استخدم الخديعة والمكر مع زعماء المماليك ومشايخ البلد، موضحا أنه لعب دوره فى الفترة من عام 1801 إلى عام 1805 بشيء من المكر فهو تحالف مع زعماء المماليك حتى ما اشرفوا على الوصول إلى الحكم ثم لم يتردد فى مباغتهم حتى اضطرهم إلى الفرار إلى خارج القاهرة عام 1804م، وظل ممتنعا عن البروز فى الصفوف الأمامية حتى جاء وقت تبلور فيه الشعور نحو ثورة صحيحة حينئذ فضل الارتكان إلى المشايخ المصريين الذين ما طمعوا قط فى الحكم المباشر، بل كان قصارى جهدهم أن يلتمسوا مساعد يرتكنون إليه فى تصديهم إلى آخر ولاة هذه الفترة المضطربة من تاريخ مصر، وحين أصر المشايخ على خلع حورشيد باشا آخر الولاة العثمانيين قال لهم إنه مندوب السلطان ولا يقبل أوامر الفلاحين، ولكنهم أصروا على تولية محمد محمد على وقاموا من جانبهم بإبلاغ الباب العالى بما حدث وتطوع زعماء المشايح بزعامة عمر مكرم وعرضوا على محمد على لعلهم بذلك يستطعون توجيهه بالوجهة العامة فأمدوه بالمال اللازم لاسترضاء الجند والباب العالى ووقفوا فى وجه المحاولات العثمانية لنقله من ولاية مصر سنة 1806م، حتى إذا ما تحسن لمحمد على وضعه وجلاء الإنجليز وزميله البوديسى ورضى الباب العالى عنه، وضع زعماء المماليك فى قبضة يده وقرر أن ينفرد بالسلطة والحكم فأشرف إشرافا مباشرا على الإدارات المحلية وأغلق الأبواب التى كانت تفرض عليه إرادتها، وضاق به تدخل المشايخ فنفى الشيخ عمر مكرم، وأخضع المشايخ جميعا لإرادته بضربهم بعضهم ببعض وإغرائهم بالأوقاف والمناصب.
وفى كتاب " تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قُبيل الوقت الحاضر" يوضح المؤلفين عمر الإسكندري وسليم حسن، سياسة محمد على قبيل وصوله إلى الحكم وكيف كان يتعامل فى الاضطرابات السياسة مؤكدين أنه اتبع أثناء كل هذه المكافحات التي ناصب بها السلطان ومحمد الألفي خطة أظهرت ما كان عليه من الدهاء والحكمة؛ إذ إنه اختفى وراء الستار، وأظهر زميله البرديسي بمظهر العاصي في وجه السلطان والمهاجم للألفي بك، مع أن محمد علي كان يساعده في جباية الأموال اللازمة للجيش الذي كانا يستظهران به على من ينازعهما السلطة.