أعلن صندوق التنمية الثقافية، أنه إذا كانت الظروف التي تمر بها البلاد، تحول بيننا وبين إقامة أمسياتنا الشعرية الأسبوعية في بيت الشعر، مركز إبداع الست وسيلة، فإننا يمكننا أن ننقل هذه الأمسيات الشعرية إلى هنا، وسننشر عددا من القصائد لمجموعة من الشعراء، وسنقرأ اليوم قصيدة المساكين لـ فوزى العنتيل
المساكين
عرايا الروحِ منهـزمـون فـي أعـيـنهـم ذعـرُ
من الماضي إلى الآتي طـيـورٌ مـا لهـا وكرُ!
من الماضي الذي قرّت أفـاعـيـهِ ومـا قـرُّوا
إلى الآتي، ودرب الغد، في أعـمـاقهـم نهـرُ
رهـيب الـمـوج كـالخـوفِ كثــيب الشطّ مغبرُّ
بوادي المـوت يـنـتحـبـونَ فـي مقبرة الأمسِ
فإن عـادوا فـمـن رمسٍ، يعـــودون إلى رمسِ
خُطًى شلاّء قَيَّدهـا عذابُ الـوهـم والــــحسِّ
وفي أيديهمُ اللاشـيء بـيـن جـوانـب الكأس
وفـي آذانهـم لـحنٌ شقـــــــيٌّ غامض الجَرْسِ
وفي أعينهم ماذا؟ سـوى الـحـرمـان والـيأس
رأيـتهـمُ عـلى سفـنٍ يحطّم صدرهـا الـبحــرُ
بأجنحةٍ ممزّقةٍ عـلى الآفـاق تـنـتحــــــرُ
ولـيلٍ يكره الأنـوار لـيلٍ مـا له فجـــرُ!
وأشبـاحٌ عـلى الخلجـان يصرخ حـولهـا الشـرّ
تُفزّعهـم إذا وقفـوا وتبـلعهـم إذا مــرّوا
وإعصـارٌ، مـن الأوهـام يـمضغهـم، إذا فرّوا
يعـيشـون بأرواحٍ تعـانق ظلــــــمة السجنِ
وأفئدةٍ معذّبةٍ بنـار الـحـب، والفـــــــنّ
يـنـوحـون مع الطـير ويبكــــون مع الغصن
ويرتعـشـون كـالأوراق فـي زوبعة الـحــزن
بأشـواقٍ مقـدّسةٍ تضمّ مشـاعـر الكـــــــون
ولكـنّ الـذي وهـبتْ يـداه الخمـرَ والقـدَحـا
ومـن طرّز للزهـر وِشـاح العطر فـاتّشحــــا
أراق الليل، في دمهم فما برحوا ومـا برحـا
وحـرّم كلّ مـا ظـمئوا إلـيـه حـرَّم الفرحـا!
فهاموا في رؤى الأحلام في وادي الخـيـالاتِ
قـيـاثرهـم مـروَّعة شقـيّات الضراعــــــات
يصـوغون أغانـيـهـم، لآلهة الصـبـابـــات
وعـادوا ظـمأً يلهث فـي حـلق الـمتـاهــاتِ
وقد حملوا رفـات الفجـر مشنـوق الشعـاعـات
وساروا في الدجى الذاهل في درب الردى العاتي
بجثة نـوره الـمـيّت فـي روح الـمفـــازات
ينغّم خطـوهـم لـحنٌ كـمـوسـيـقـا الجنـازات
وعاشوا المـوتَ أحـيـاءً أسـارى مـثل أمـوات
نهايةُ عمـرهـم وهـمٌ تـمَزَّق فـي الـبـدايـات
فهـم أنصـاف آلهةٍ بـلا مـــــــاضٍ ولا آت.
يشار إلى أن محمد فوزى العنتيل، ولد في قرية علوان (محافظة أسيوط) في عام 1932م، وتوفى في القاهرة عام 1981م ، ودفن فى قريته، تخرج في دار العلوم عام 1951م، وعاش في مصر، وإيرلنده والمجر، ونيجيريا، وزار عددًا من البلاد الأوربية، ومعظم الأقطار العربية.
حفظ القرآن الكريم في كتّاب القرية، والتحق بالتعليم الأولي ثم بمعهد أسيوط الديني، وحصل فيه على شهادة الثانوية الأزهرية (1946)، ثم التحق بكلية دار العلوم، وتخرج فيها (1951)، ثم التحق بمعهد التربية العالي للمعلمين، وحصل فيه على دبلوم التربية وعلم النفس (1952)، ثم نال شهادة في الفولكلور من الجامعة القومية بدبلن في إيرلنده (1961).
عمل بالتدريس في مصر، ثم انتقل إلى المجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية (1956) سكرتيرًا للجنة الشعر، وتدرج في وظائف المجلس حتى وصل إلى درجة مدير عام الشؤون الفنية، ثمّ انتدب لوظيفة مدير عام تحقيق التراث في الهيئة المصرية العامة للكتاب، وظل بها مدة عامين، حيث وافاه الأجل، هذا وقد انتدب أثناء عمله بالمجلس للعمل أستاذًا بجامعة أبيدجان بنيجيريا، ولظروفه الصحية لم يمكث أكثر من عام، فعاد (1972)، وكذلك انتدب للعمل أستاذًا زائرًا بكلية الآداب بجامعة بودابست بالمجر.
كان عضوَ لجنة الشعر ولجنة الدراسات الأدبية بالمجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، وعضو اتحاد الكتاب، وعضو مجلس تحرير مجلة الثقافة، ورئيس المكتب التنفيذي لمشروع المكتبة العربية، وعضو لجنة التراث بالهيئة المصرية العامة للكتاب، وسكرتير لجنة الفنون الشعبية.
الإنتاج الشعري:
صدرت له الدواوين الآتية:
عبير الأرض، ورحلة في أعماق الكلمات، والأعمال الكاملة، وله ديوان بعنوان «الجنة الضائعة» مخطوط في مئة ورقة، أثبت عليه الشاعر بنفسه تاريخ: 1950 – 1951 بحوزة أسرته.
الأعمال الأخرى:
– له مسرحيتان مترجمتان من الأدب الإيرلندي هما: «المحراث والنجوم» و«ورود حمراء من أجلي»، وعدد من الكتب المطبوعة منها: « الفلكلور ما هو؟» – دار المعارف – مصر 1965، وله طبعة عن دار نهضة مصر – 1977، و«التربية عند العرب: مظاهرها – اتجاهاتها» – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 1966، و«الحرية والحب» – المؤسسة العامة للتأليف والنشر – القاهرة 1968، و«عالم الحكاية الشعبية» – دار المريخ للنشر – الرياض 1983، وحقق جزءًا من «نهاية الأرب» الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 1985، «بين الفلكلور والثقافة الشعبية» – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 1987.