كيف كانت القاهرة، بعد عصر الوالى محمد على باشا، وما الذى أصابها من تمدن فى زمن الخديوى إسماعيل ومن بعده، هذا ما يرصده كتاب "حرافيش القاهرة" لـ عبد المنعم شميس، وفيه الكثير من ظواهر الحياة فى مصر خاصة فى حى عابدين فى ذلك الزمن، ونستعرض اليوم بعض من هذه الحياة.
كان فى حى عابدين منذ أنشأ الخديوى إسماعيل القصر طوائف من العمال يقومون على خدمة قصر عابدين ومنهم نجارون ونقاشون ومنجدون وغيرهم من طوائف الصناع.
وكان من العادات المرعية استبدال بعض ستائر القصر ومشاياته وغيرها من الأشياء المستهلكة كل عام فى فترة سفر الخديوى إلى الإسكندرية في الصيف.
وقد ظلت هذه العادة متبقية حتى عهد فاروق فكان شيخ المنجدين يبيع هذه الأشياء للأهالى حتى أصبحت بيوت الحى (حى عابدين) تفرش بالبسط الخضراء وتوضع فيها الستائر الثمينة التى تخرج من القصر ويتم استبدالها بغيرها.
وفى هذه الفترة دخلت فى بيوت بعض أبناء البلد من القادرين صنابير الماء ومواقد غاز الاستصباح، وأقيمت أبنية على الطراز الأوروبى لها نوافذ تفتح وتغلق ولها مشربيات أو بلكونات ذات أسوار حديدية مشغولة ودرابزينات حديدية أنيقة لسلالم البيت، وكانت البيوت القديمة لها مشربيات أو نوافذ لا تفتح بل ترفع لأعلى، وليست لهل شرفات تطل على الشارع.
وعندما بنيت هذه البيوت كان يسكنها الأجانب مع أن أصحابها كانوا من المصريين الذين يرفضون أن تظهر نساؤهم في الشرفات أو النوافذ، ثم تطورت الأمور وسكن بعض المصريين في هذه الشقق، وكان من عاداتهم قبل ذلك أن يسكنوا في بيوت من أبوابها كما يقولون، فلا يشاركهم أحد فى البيت.
وقد أضيئت شوارع الحى وحواريه بمصابيح الغاز منذ عهد إسماعيل، وكان يضيء هذه المصابيح قبل الغروب ويطفئها بعد الفجر طائفة من العمال يحملون عصا طويلة فى نهايتها شعلة لإضاءة المصابيح، وكانوا يجرون جريا وكأنهم في سباق، وقد أطلق أهل القاهرة على العامل من هؤلاء اسم "عفريت الليل" وكان الأطفال يغنون لهم أغنية مشهورة مطلعها:
عفريا الليل بسبع رجلين.