يملك بعض الناس ذكاء فطريا يجعلهم يجيدون الاستفادة من كل ما يحيط بهم، والبعض الآخر يملك عقلية تجارية تجعلهم يستطيعون أن يحولوا أى فكرة إلى مكسب، ومن ذلك ما فعله "الحاج حنفى" فى زمن الخديوى إسماعيل، والحاج حنفى هو "صاحب عربيات "زينب هانم" التي كانت مشهورة فى القرن الـ 19.
يقول كتاب "حرافيش القاهرة" لـ عبد المنعم شميس، اشتهرت الأميرة زينب هانم ابنة الخديوى إسماعيل بمغامراتها التى يرويها الرواة، ويجعلون الحبة قبة كما يقول المثل العامى، ومن الهوايات التى يحبها بعض الناس ترديد الشائعات والتلذذ بإضافة قصص وحكايات تؤيدها أو تجعل السامع يتساءل عنها".
وقد تعرضت زينب هانم لهذه الشائعات كما تعرض والدها الخديوى إسماعيل لأمثالها، وكان السلاح الذى روجت له الشائعات عند زينب هانم هو الجب الذى تقتاد إليه عشاقها، كما كان عند الخديوى إسماعيل فنجان القهوة المسموم الذى ينهى به حياة أعدائه أو معارضيه، وقد رويت عن الخديوى غراميات غريبة وعجيبة لا يصدقها عقل. ولا يمكن لرجل في مثل سلطته وشهرته أن يمارسها، ولم يكن شخصيا في حاجة إلى ممارستها، كما أن ابنته زينب هانم لم يكن في استطاعتها أن تمارس فى مجتمع مغلق مثل المجتمع المصرى حينذاك ما يرويه الرواة حول هذا الموضوع.
وكان أهم شيء اشتهر عن هذه الأميرة هو عربتها المغلقة الأبواب ذات الستائر المسدلة التى اشتهرت فى القاهرة باسم عربة زينب هانم.
وقد أعجب رجل من أهل عابدين بهذه العربة وهداه تفكيره إلى عمل كان من أنجح المشروعات في أيامه، فبدأ (الحاج حنفى) يراقب عربة زينب هانم أثناء جولاتها في شارع عابدين أو عبورها عند كوبرى قصر النيل عندما تتجه إلى قصر الجزيرة أو تعود إلى قصر عابدين، ثم ذهب إلى صناع العربات في باب الخلق وباب الشعرية وشاهد عربات الحنطور وعربات الكارو التى يصنعونها حتى استقر رأيه على واحد منهم وأحضره معه ليشاهد عربة زينب هانم، ويصنع له عربة مثلها أو تشبهها وتم صنع العربة واشترى لها الحاج حنفى حصانا أبيض جميل الشكل ثم وضع العربة والحصان على باب الحارة ذات يوم فتعجب الناس من قلة عقل الحاج حنفى وقالوا: ماذا يصنع هذا المجنون بهذه العربة والحصان؟
وكان المعلم فرحات صاحب قهوة العنبة أشد الناس استغرابا وتعجبا مما فعله الحاج حنفى، فذهب إلى حارته يشاهد العربة والحصان وهو يقول:
الحاج حنفى عاوز يعمل خديوى.. لا حول ولا قوة إلل بالله.
وأخيرا صرح الحاج حنفى بأنه أعد هذه العربة لزفاف العرائس من بنات الطبقة القادرة في عابدين وما حولها من أحياء وبدأ المعلم فرحات القهوجى يروج فى قهوته لهذه الأفكار.
ولم يمض أسبوع حتى تم زفاف عروس من بنات أحد التجار في حى عابدين إلى عريسها في حى المنيرة واستخدمت عربة زينب هانم فى هذا الزفاف.
كان الحاج حنفى يتقاضى خمسة جنيهات ذهبية أجرا للعربة والحصان فى مشوار الزفة أما العربجى الذى كان يحضره لهذا الغرض وهو أحد عربجية لحنطور فلا شأن له بأجره، بل إن صاحب العرس يمنحه الوهبة وهى ليست أجرا محددا ولكنه مبلغ من المال يتناسب مع صاحب الفرح ومكانته لا مع أجر العربجي.