نعرف جميعا أن تنظيم داعش الإرهابى واحدا من أشهر الكيانات الإرهابية التى ظهرت فى السنوات الأخيرة، وقد صنعت خرابا كبيرا فى كثير من الدول التى دخلته، وقد ناقشته العديد من الكتب، وقد كان مقتل قائده "أبو بكر البغدادي" فى أكتوبر من عام 2019 تحولا مهما فى التنظيم، الذى بدأ فى الانحسار، ومن الكتب التى ناقشت مستقبل التنظيم بعد هذه الأحداث كتاب "داعش بعد البغدادى" الصادر عن مركز المسبار.
ويتعرض الكتاب للتطورات والتحولات الأيديولوجية التى مر بها تنظيم داعش الإرهابى، وتأثيرها فى تماسكه التنظيمى، خصوصاً بعد مقتل زعيمه السابق أبى بكر البغدادى، وقدمت الدراسات قراءات جديدة فى فهم التنظيم، بالتركيز على محتوى السجالات العنيفة الجارية داخله، وتحليل جذورها العميقة، وأثرها فى هيكليته، وأجرت مقارنة بين استراتيجيات التعامل مع خطره وامتداداتها على المدى المتوسط.
ناقش الكتاب المخاض الأيديولوجى العسير الذى مرّ به التنظيم، فى تكوّنه الأول بين فكر سيد قطب ونظريات تنظيم القاعدة، ثم تشكل تيارات جديدة داخله، تتنافس فيما بينها فى التطرف والتكفير، ولقد حاول "الإداريون" فى التنظيم التحكم به، عبر قتل أكثر من ألف متطرفٍ من المنتمين إليه! ولا تزال تداعيات هذه المواجهات الداخلية مستمرة، وقد درسها الكتاب مستحضراً أبعادها بما فيها احتمال بزوغ جماعات جديدة تنتهج فكراً إرهابياً أكثر تطرفاً، تطوى صفحة "داعش" لتبدأ حقبة جديدة فى تاريخ الإرهاب.
فى ضوء تصاعد السجالات التكفيرية داخل التنظيم قبل مقتل زعيمه واستمرارها بعده، خرج المنظِّرون الإرهابيون بخلاصات أشد عنفاً، مما آلت إليه الأيديولوجية السابقة أو القديمة، فاعتبروا التكفير أصلاً من أصول الدين، ونادوا بعدم العذر بالجهل، واعتبار قيام الحجة من مسائل الفطرة والعقل، ومسائل أخرى أشد عنفاً تتجه به أكثر فأكثر نحو الراديكالية، لا سيما أن ثمة صراعات حادة داخله على مستوى "الفكر الجهادى الحركى"، قد تكون الأعقد منذ تأسيس نواته الأولى مع "جماعة التوحيد والجهاد" عام 2003.
وبيَّنت إحدى الدراسات تأثير التيارات المتصارعة فى داعش ودرست احتمالات امتدادها، وذلك فى ظل الإرباك الذى أصاب الوسط الجهادى عقب مقتل البغدادى، مما يشى بهشاشة التنظيم، ويسقط مقولة صلابته الأيديولوجية، وهذا سوف يثير الجدل من جديد بين الباحثين فى الظاهرة الإسلاموية حول نتائج تشظى التيار الحركى الجهادى، ومآلاته الأشد عنفاً، وقدرته على تجاوز الأزمات وامتصاص الضربات النوعية.
وسعى الكتاب إلى الإجابة عن سؤال أساسى: كيف انتقل داعش من الخلافة المكانية إلى العنقودية؟ فرضت خسارة التنظيم لـ"دولته المزعومة" تغيير رؤيته الاستراتيجية على مستوى المواجهة والتمدد والتشظى إلى خلايا أشد عنفاً، إذ شكلت الخلافة المحكومة بمركزية مفرطة، وما تقتضيه من شروط ومتطلبات، عبئاً عليه، لذلك – وكما تبين إحدى الدراسات – صار التحول الاستراتيجى الذى عرفه داعش، وانتقاله من الخلافة المكانية إلى الانشطارية والشبكية، تحولاً حتمياً أملته المتغيرات الجديدة.
ويرى محلِّلون أنه لا يمكن تمييز الاستراتيجية الأمريكية فى التعامل مع "الظاهرة الإرهابية" عن تلك المتبعة مع تنظيم داعش، توقف الكتاب عند الكيفية التى تعاطت بها واشنطن مع الحركات الإرهابية منذ أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 وحتى مقتل البغدادى، فحاول تبيان نقاط التشابك والاختلاف، وطرح مجموعة من الفرضيات عكستها التطورات الميدانية أواخر عام 2019 وبدايات عام 2020، من ضمنها سيناريو متوقع لولادة بؤر داعشية جديدة، أو فورة فى التنظيمات الإرهابية على خط التصدعات الإقليمية والتوترات الأمنية والسياسية، كما هو الحال فى الأنموذج الليبى والسورى والصومالى، مع إمكان عودة "داعش" إلى العراق بهدف تكثيف نشاطه هناك، والإفادة من هشاشة الدولة العراقية والصراع الأمريكى – الإيرانى فى البلاد.
عرض الكتاب لشهادات ممن عاشوا فى الأراضى التى استولى عليها داعش فى العراق وسوريا، وكشف عن الفظائع والظلم والعدوان الذى ارتكبته عناصر التنظيم عبر تجارب شخصية لنساء ورجال، انضووا تحت لواء "دولة الخلافة" والتى كثرت بعد سقوطها، كما تحقق من الأسئلة الآتية: هل إعلام داعش غيَّر استراتيجيته وجدد طرق ترويجها على وسائل التواصل الاجتماعى بعد مقتل البغدادى، أم فقط عدّل من آليات اشتغالها وأعاد ترتيب أولويات خطابها؟ ما واقع الآلة الحربية الإعلامية لتنظيم الدولة؟ وما حجم تأثير الهزائم العسكرية على خطه التحريرى؟ وهل تغيرت أساليب الترويج فى العالم الافتراضى بعد سقوط خلافته وموت زعيمه؟
وأخيراً، أُجريت قراءة فى كتاب "داعش… التتمة" للأستاذ فى العلوم السياسية الفرنسى سيباستيان بوسوا، ناقش فيه المخاطر الناجمة عن المقاتلين العائدين من صفوف التنظيم بعد انهيار دولته، وما يشكلونه من تهديد أمنى للدول الأوروبية والعربية.