عرفت مصر الموسيقى بشتى أشكالها وأنواعها، الريفى والمدنى، التلقائى والمدروس والمنظم، وعرفت الغناء الشعبى كما عرفت السيمفونيات والأوبرات، لكن تظل فرق شارع محمد على رمزًا على مرحلة مهمة فى تاريخ الوطن.. لكن كيف كان حال هذه الفرق، وكيف كانت ظروفها، هذا ما سنعرفه فى التقرير التالى.
يقول كتاب "حرافيش القاهرة" لـ عبد المنعم شميس، كانت فرق الموسيقى موجودة فى شارع محمد على وأشهرها فرقة (حسب الله) المعروفة، ولكن كانت هناك عشرات مثلها، وكل فرقة لها دكان فى مواجهة حارة العوالم، وكانوا يعلقون أدوات الموسيقى وملابس الفرقة على جدران الدكان، ويكفى أن تلقى نظرة على الدكان لتعرف قيمة الفرقة من أشكال ملابسها المعلقة على الجدار وآلاتها الموسيقية المعلقة أيضا.
وكانت الغالبية من هذه الفرق تستدعى العازفين عندما يرزقها الله بفرح من الأفراح لأن أعمالها لم تكن منتظمة فكان العازفون يعملون فى أعمال أخرى لكسب العيش ومنهم القهوجية والصنايعية فى مختلف الحرف ومنهم أيضًا من لا حرفة له ويشتغل يبيع أوراق اليانصيب أو السميط والبيض أو يسرح لالتقاط رزقه فى القهاوى والمشارب أو فى مسح الأحذية أو تلبية طلبات الزبائن أو المساعدة فى كنس ونظافة هذه الأماكن ممن يطلقون على أنفسهم اسم (الأرزقية) أى الذين يطلبون الرزق من أى عمل لأنهم لا عمل لهم.
وكان أصحاب هذه الفرق الموسيقية فى شارع محمد على يدربون من هؤلاء الأشخاص من يصلح لهذه الموسيقى الناقصة فى دق الطبول والنفخ فى الأبواق وما يشبه ذلك، ويعرفون أماكنهم فيبعثون لاستدعائهم فى المناسبات.
ومن أغرب المشاهدات التى رأيتها أن بعض أصحاب هذه الفرق كانوا يملكون الملابس الرثة أو غير الرثة وهى ملابس مقصبة تصلح للموسيقيين فى هذه الفرق، ويملكون الطرابيش، ولكنهم لا يملكون الأحذية، فكانوا يلبسون أفراد الفرقة الملابس وهى البنطلون والجاكتة المزركشة ويتحايلون على مقاساتها حسب أحجام أفراد الفرقة فى كل مناسبة، ثم يضعون على رؤوسهم الطرابيش، ولكنهم لا يضعون فى أقدامهم أحذية، وكان معظمهم يرتدون الجلابيب ويمشون حفاة ومنهم من يضع فى قدميه بلغة أو شبشبا. وكان الحل فى هذه المشكلة أنهم كانوا يطلون أقدامهم الحافية بالورنيش الأسود حتى تبدو وكأنها حذاء.