فى قلب القاهرة، ومن بين أشهر شوارعها بمنطقة وسط البلد، يوجد شارع محمد على، الذى اشتهر بالمسارح الفنية ومقاهى وكازينوهات أهل الفن والعوالم، كما اشتهر بالفرق الموسيقية النحاسية اللازمة لإحياء الحفلات والأفراح، وفى عهد محمد علي باشا، انتشرت الحانات والمقاهي التي تغني وترقص فيها العوالم، وبعض منها كان في منطقة الأزبكية، العوالم لسن مثل الغوازي، وإن كن يعملن في المهنة نفسها. فالعوالم يرقصن في الحانات فقط، ولهن ملابس مميزة كما وصفها دي نرفال. وهن من عوام الشعب ومن أسر مصرية تقليدية.
وعرفت "العوالم" فى مصر منذ العصر المملوكى، وكانت المغنية هى من تقوم بالرقص في الحفلات، وقد شاع في مصر اسم "العالمة" كإشارة إلى من تحترف (الرقص والغناء) معًا وهو اسم ليس له سند في قواميس اللغة العربية، كما يقول الباحث، فالكلمة نفسها تحمل معاني مفارقة لما وقر في الذهن عن كلمة عالمة التي تقوم بالغناء في الأفراح والصالات.
وذهب المستشرق الإنجليزى إدوارد وليم لين إلى أن كلمة عالمة مشتقة من الكلمة العبرية ذات الأصل الفينيقي “علماه” ومعناها فتاة أو عذراء أو مغنية، وربما يعكس هذا الأصل اللغوى للكلمة الجذور التاريخية للمغنيات ذوات الأصول اليهودية في مصر.
وفى كتابه يحاول الكاتب المصرى عمرو على بركات تسليط الضوء على عدد من الأسماء البارزة فى مجال الطرب والغناء اعتمادا على الكثير من المراجع والمصادر التاريخية، ومن بين هذه الأسماء يبرز اسم "خوبى العوادة"التي عاشت في حوالي القرن الرابع عشر ميلاديا، والتي ذكرها صلاح الدين الصفدي في كتابه "أعيان العصر وأعوان النصر"، قائلا "كانت جارية الأمير سيف الدين بكتمر الساقي اشتراها بعشرة آلاف دينار مصرية، وكانت مغنية وعوادة بادية الحسن والطرب.
من بين أبرز سير المطربات في العصر المملوكي وأكثرهن مدعاة للأسى سيرة المغنية "هيفا"، وكان يطلق عليها "هيفا اللذيذة" التي ذكرها المؤرخ محمد البقلي في كتابه "الطرب في العصر المملوكي"، وقد ارتبط اسم هذه المطربة بالسلطان قنصوة الغوري آخر سلاطين المماليك في مصر في القرن السادس عشر الميلادي، إذ عرف عنه أنه كان مولعا بها، وكان يصحبها في جلسات سمره، هذا قبل أن ينقلب عليها لأسباب غير معروفة، فأمر بسجنها حيث تعرضت للضرب والإهانة لتتوقف بعدها عن الغناء وتعاني من الفقر والعوز حتى وفاتها.
الآن اختفت "كار" مهنة العوالم بمعناه التقليدى، وأصبح مقتصر هؤلاء العوالم فى بعض الأفراح بالمناطق الشعبية وفى المناطق الريفية، وداخل كازينوهات وكباريهات شارع الهرم، وغيرها من النوادى الليلية، ولكن بالتأكيد ارتدت ثوب الحداثة فى كثير من تقاليدها.