ينشغل التراث عادة بمتابعة اللحظات الأخيرة فى حياة الأنبياء والصالحين، ومن ذلك ما حدث لسيدنا إبراهيم عليه السلام، فما الذى يقوله التراث الإسلامى عن قبر خليل الرحمن وما المكتوب عليه؟
يقول كتاب البداية والنهاية تحت عنوان "وفاة إبراهيم وما قيل فى عمره":
ذكر ابن جرير فى تاريخه، أن مولده كان فى زمن النمرود بن كنعان، وهو فيما قيل الضحاك الملك المشهور، الذى يقال: إنه ملك ألف سنة، وكان فى غاية الغشم والظلم.
وذكر بعضهم أنه من بنى راسب الذين بعث إليهم نوح عليه السلام، وأنه كان إذ ذاك ملك الدنيا.
وذكروا أنه طلع نجم أخفى ضوء الشمس والقمر، فهال ذلك أهل ذلك الزمان، وفزغ النمرود، فجمع الكهنة والمنجمين وسألهم عن ذلك، فقالوا: يولد مولود فى رعيتك يكون زوال ملكك على يديه، فأمرعند ذلك بمنع الرجال عن النساء، وأن يقتل المولودون من ذلك الحين.
فكان مولد إبراهيم الخليل فى ذلك الحين، فحماه الله عز وجل، وصانه من كيد الفجار، وشب شبابًا باهرًا، وأنبته الله نباتًا حسنًا، حتى كان من أمره ما تقدم، وكان مولده بالسوس، وقيل: ببابل. وقيل: بالسواد من ناحية كوثى.
وتقدم عن ابن عباس أنه ولد ببرزة شرقى دمشق، فلما أهلك الله نمرود على يديه، وهاجر إلى حران، ثم إلى أرض الشام، وأقام ببلاد إيليا كما ذكرنا، وولد له إسماعيل وإسحاق.
وماتت سارة قبله بقرية حبرون التى فى أرض كنعان، ولها من العمر مائة وسبع وعشرون سنة، فيما ذكر أهل الكتاب، فحزن عليها إبراهيم عليه السلام، ورثاها رحمها الله، واشترى من رجل من بنى حيث، يقال له عفرون بن صخر مغارة بأربع مائة مثقال، ودفن فيها سارة هنالك.
قالوا: ثم خطب إبراهيم على ابنه إسحاق، فزوجه رفقا بنت بتوئيل بن ناحور بن تارح، وبعث مولاه فحملها من بلادها، ومعها مرضعتها وجوارها على الإبل.
قالوا: ثم تزوج إبراهيم عليه السلام قنطورا، فولدت له: زمران، ويقشان، ومادان، ومدين، وشياق، وشوح. وذكروا ما ولد كل واحد من هؤلاء أولاد قنطورا.
وقد روى ابن عساكر عن غير واحد من السلف، عن أخبار أهل الكتاب فى صفة مجىء ملك الموت إلى إبراهيم عليه السلام أخبارًا كثيرة، الله أعلم بصحتها.
وقد قيل: إنه مات فجأة، وكذا داود، وسليمان، والذى ذكره أهل الكتاب وغيرهم خلاف ذلك.
قالوا: ثم مرض إبراهيم عليه السلام، ومات عن مائة وخمس وسبعين، وقيل: وتسعين سنة، ودفن فى المغارة المذكورة التى كانت بحبرون الحيثى عند امرأته سارة التى فى مزرعة عفرون الحيثى، وتولى دفنه إسماعيل وإسحاق صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وقد ورد ما يدل أنه عاش مائتى سنة، كما قاله ابن الكلبى.
وقال أبو حاتم بن حبان فى (صحيحه): أنبأنا المفضل بن محمد الجندى بمكة، حدثنا على بن زياد اللخمى، حدثنا أبو قرة عن ابن جريج، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبى هريرة أن النبى ﷺ قال:
"اختتن إبراهيم بالقدوم وهو ابن عشرين ومائة سنة، وعاش بعد ذلك ثمانين سنة".
وقد رواه الحافظ بن عساكر من طريق عكرمة بن إبراهيم، وجعفر بن عون العمرى، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد عن أبى هريرة موقوفًا.
ثم قال ابن حبان ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن رفع هذا الخبر وهم.
أخبرنا محمد بن عبد الله بن الجنيد نيست، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث عن ابن عجلان، عن أبيه، عن أبى هريرة عن النبى ﷺ قال:
"اختتن إبراهيم حين بلغ مائة وعشرين سنة، وعاش بعد ذلك ثمانين سنة، واختتن بقدوم".
وقد رواه الحافظ ابن عساكر من طريق يحيى بن سعيد، عن ابن عجلان، عن أبيه، عن أبى هريرة عن النبى ﷺ "وقد أتت عليه ثمانون سنة".
ثم روى ابن حبان عن عبد الرزاق أنه قال: القدوم اسم القرية، قلت الذى فى الصحيح أنه اختتن وقد أتت عليه ثمانون سنة. وفى رواية: وهو ابن ثمانين سنة، وليس فيهما تعرض لما عاش بعد ذلك، والله أعلم.
وقال محمد بن إسماعيل الحسانى الواسطى زاد فى تفسير وكيع عنه فيما ذكره من الزيادات: حدثنا أبو معاوية، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبى هريرة قال: كان إبراهيم أول من تسرول، وأول من فرق، وأول من استحد، وأول من اختتن بالقدوم، وهو ابن عشرين ومائة سنة، وعاش بعد ذلك ثمانين سنة، وأول من قرى الضيف، وأول من شاب.
هكذا رواه موقوفًا، وهو أشبه بالمرفوع خلافًا لابن حبان، والله أعلم.
وقال مالك عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب قال: كان إبراهيم أول من أضاف الضيف، وأول الناس اختتن، وأول الناس قص شاربه، وأول الناس رأى الشيب.
فقال يا رب: ما هذا؟
فقال الله تبارك و تعالى: "وقار يا إبراهيم".
فقال يا رب: زدنى وقارًا.
وزاد غيرهما: وأول من قص شاربه، وأول من استحد، وأول من لبس السراويل، فقبره، وقبر ولده إسحاق، وقبر ولد ولده يعقوب، فى المربعة التى بناها سليمان بن داود عليه السلام ببلد حبرون، وهو البلد المعروف بالخليل اليوم، وهذا تلقى بالتواتر أمة بعد أمة، وجيل بعد جيل، من زمن بنى إسرائيل وإلى زماننا هذا، أن قبره بالمربعة تحقيقًا.
فأما تعيينه منها فليس فيه خبر صحيح عن معصوم، فينبغى أن تراعى تلك المحلة، وأن تحترم احترام مثلها، وأن تبجل، وأن تجل أن يداس فى أرجائها، خشية أن يكون قبر الخليل أو أحد من أولاده الأنبياء عليهم السلام تحتها.
وروى ابن عساكر بسنده إلى وهب بن منبه، قال: وجد عند قبر إبراهيم الخليل على حجر كتابة خلقة:
إلهى جهولًا أمله * يموت من جا أجله
ومن دنا من حتفه * لم تغن عنه حيله
وكيف يبقى آخر * من مات عنه أوله
والمرء لا يصحبه * فى القبر إلا عمله