يعد الإمام محمد عبده الذى ولد فى 1849 ورحل فى عام 1905 واحدا من أشهر الإصلاحيين فى العصر الإسلامى الحديث، كانت أفكاره ولا تزال موضوعا صالحا للنقاش ومن كتبه المهمة "رسالة التوحيد".
يقول عنه "حازم محيى الدين" فى موضوع بعنوان "الشيخ محمد عبده وكتابه رسالة التوحيد".
السياق الخاص المتعلق بمحمد عبده والذى يفسِّر لنا بشكل خاص أسلوبه الواضح، والمختصر، والبسيط، والمباشر، والتربوى فى الكتابة، فهو أن محتويات، ومادة هذا الكتاب كانت فى الأصل عبارة عن دروس دينية ألقاها عبده على طلبة المدرسة السلطانية فى بيروت عام (1885م) بعد إبعاده عن مصر، ولكنه لمَّا عاد إلى وطنه، وشعر بالحاجة الماسة إلى تأليف كتاب فى العقيدة عاد إلى دروسه القديمة الأولى، وقام بتنقيحها وتعديلها، والزيادة عليها، وإعادة صياغة بعض مباحثها لتتناسب مع مستوى القراء العاديين من جمهور المسلمين، ثم دفعها إلى مطبعة بولاق لتخرج للناس أول مرة عام (1897م).
وبهذا نلاحظ بأن نص هذه الرسالة كان فى الأصل نصاً شفهياً ثم تحوّل إلى نص مكتوب، توجَّه به صاحبه إلى جمهور الطلاب أولاً، ثم إلى عموم الناس من ذوى الثقافة المحدودة بعد ذلك، وبكلمة أخرى توجه برسالته هذه إلى الجمهور العريض من المسلمين، مبتعدا فى الوقت نفسه عن حاجات، وغايات النخبة المثقفة من مثل هذه الكتب.
ويقول أيضا:
يحتل مفهوم التوحيد مركز الصدارة فى "رسالة التوحيد"، وهذا الاهتمام أمر مفهوم وطبيعى إذا عرفنا أن التوحيد هو جوهر العقيدة الإسلامية، وهو الغاية العظمى، والمقصد الأسمى من بعثة الرسول عليه السلام، ورسالة الإسلام كلها، يقول محمد عبده مُعرِّفاً التوحيد، وموضحاً أهميته القصوى: "أصل معنى التوحيد، اعتقاد أن الله واحد لا شريك له، وهو إثبات الوحدة لله فى الذات، والفعل فى خلقه الأكوان، وأول وحده مرجع كل كون، ومنتهى قصده، وهذا المطلب كان الغاية العظمى من بعثة النبى، كما تشهد به آيات الكتاب العزيز".
ومن خلال هذا التعريف نلاحظ أن محمد عبده عرّف التوحيد بالطريقة نفسها التى يُعِّرفها به معظم علماء الكلام، وهو التعريف المتضمن ركنى التوحيد الرئيسين: توحيد الألوهية (توحيد الذات)، وتوحيد الربوبية (توحيد الفعل)، وقدم محمد عبده فى مكان آخر مقصوده من هذا التعريف بشكل تفصيلى على طريقة علماء الكلام السابقين، عند ما قال: "جاء الدين الإسلامى بتوحيد الله تعالى فى ذاته، وأفعاله، وتنزيهه عن مشابهة المخلوقين، فأقام الأدلة على أن للكون خالقاً واحداً متصفاً بها دلَّت عليه آثار صفه من الصفات العلّية، كالعلم، والقدرة، والإدارة، وغيرها، وعلى أنه لا يشبهه شىء من خلقه، وأن لا نسبة بينه وبينهم إلا أنه مُوجدهم، وأنهم له راجعون، وما ورد من ألفاظ الوجه واليدين والاستواء له معان عرفها العرب المُخَاطبون بالكتاب، ولم يشتبهوا فى شىء منها، وأن ذاته وصفاته يستحيل عليها أن تبرز فى جسد أو روح أحدٍ من العالمين".