شغل المفكر المصرى قاسم أمين (1863 - 1908) الناس بما طرحه من أفكار فى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ومن ذلك كتابه المهم "المرأة الجديدة"، الذى ظهر فى عام 1900 ميلادية.
يقصد قاسم أمين بـ"المرأة الجديدة" المرأة التى بدأ ظهورها فى الغرب منذ عصر التنوير، وهى المرأة التى بدأت تلعب دورًا اجتماعيًّا وثقافيًّا رئيسًا فى مجتمعها ودولتها، بعد أن كانت مهمشة ومقصية فى عصور ما قبل التنوير الأوروبى.
ويرى قاسم أمين أن الرؤية الاجتماعية السائدة عن المرأة فى عصره داخل المجتمع المصرى تشبه إلى حد كبير تلك الرؤية ما قبل التنويرية، وهى رؤية تتعارض مع الفطرة الإنسانية التى فطر الله الناس عليها رجالًا كانوا أو نساءً، كما أنها رؤية تتعارض مع الفهم الصحيح للدين، فالإسلام كفل للمرأة حق التصرف فى أملاكها، كما كفل لها حق التعلم وحرية العمل والمشاركة الاجتماعية والثقافية النهضوية فى البناء الحضاري، والفهم المنغلق لدور المرأة إنما يمكن رده إلى الجهل والاستبداد بالدين والتمسك بالعادات والتقاليد المنافية لفطرة الإنسان والمخالفة للنظرة الأخلاقية القويمة.
يقول الكتاب تحت عنوان "حرية المرأة":
لم يخطئ قدماء الفلاسفة فى مسألة خطئهم فى معنى الحرية الإنسانية؛ وذلك أنهم كانوا يعتقدون أن الله خلق الناس على قسمين: قسم ميزه بالحرية، والقسم الآخر قضى عليه بالرق.
وكانت معيشة الأحرار بعيدة عن الاستقلال، ومتأثرة بسلطة رؤساء العائلات ورؤساء الحكومة.
والتاريخ يحدثنا بأن الحكومة فى تلك العصور الخالية كانت تتداخل فى كل ما يتعلق بالحياة الخاصة، وكان لها الشأن الأول فى نظام العائلة، والتربية، والديانة، والأخلاق والعواطف؛ حتى إنها كانت تحدد فى المعاملات التجارية أثمان البضائع، وقد وصلت بها الأثرة بالتداخل فى شئون الحياة الخاصة، إلى حد أن قوانين اليونان القديمة كانت تحجر على النساء الخروج من منازلهن إلا فى أحوال مبينة، فكانت المعيشة الاجتماعية هى أشبه شيء بالعيشة العسكرية، يأمر الحاكم حينما يريد بما يريد، وما على المحكومين إلا أن يطيعوا أوامره.
ولما تقدم العالم فى المدنية، تخلص الفرد شيئا فشيئًا من سلطة الهيئة الاجتماعية، ووسع فى دائرة حريته. وانعكس الأمر، فما كان فى السابق أصلا عاما، أصبح الآن من المستثنيات، ومن ثم صارت غاية التمدن أن ينال الفرد أقصى ما يمكن من الاستقلال والحرية.
ذلك لأن الإنسان ترقى فى فكره، فهو يرى أن تسليم نفسه إلى تصرف الحاكم أمر لا تسلم به لمنزلته من الإنسانية، ولا يتفق مع راحته وسعادته؛ ولهذا فهو لا يقبل أن يتنازل لأحد عن حريته. ولا أن يأتمن أحدًا عليها ولو كان أقرب الناس إليه، ولا يسمح بأن يترك منها إلى الحكومة إلا بقدر ما يلزم تركه؛ لتتمكن من تأدية وظيفتها، وهى المحافظة على الأمن العام فى الداخل، والمدافعة عن سياج الأمة فى الخارج، وأيضا القيام بالأعمال التى تعود منفعتها على الجميع.
بحسب هذا الشرط يخضع الفرد إلى ما تقرره عليه من الأعمال والأموال، أما إذا أرادت الحكومة أو أى فرد من الناس أن يدخل فى عمل من أعماله أو شأن من شئونه الخاصة، فإنه يشعر بثقل الضغط عليه، ويجد فى نفسه ألم الظلم.