نعرف قيمة قاسم أمين (1863- 1908) الذى يعد أحد رجال النهضة المصرية فى نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وقد توقفنا عند كتابيه (تحرير المرأة والمرأة الجديدة) وكان يجب أن نسبقهما بكتابه (المصريون) الذى كتبه "قاسم أمين" بالفرنسية ولذلك أسباب سنعرفها.
يقول الناقد الكبير إبراهيم العريس عن كتاب المصريين:
الكتاب الذى نحن بصدده هنا، هو واحد من أول النصوص التى كتبها قاسم أمين، وهو كتبه فى اللغة الفرنسية، لأنه - وهذا منطقى - كان فى الأصل موجهاً إلى القراء الأوروبيين.
أما موضوعه فكان الرد على كاتب ومسئول فرنسى هو "دوق داركور" الذى أصدر كتاباً "تحامل فيه على الإسلام ومصر والمصريين" فوجد قاسم أمين الذى قرأ الكتاب وتابع ردود الفعل عليه، من الضرورى أن يرد فى نص مضاد جاءت ترجمة عنوانه إلى العربية: "المصريون: رد على السيد الدوق داركور" بقلم قاسم أمين، المستشار فى محكمة التمييز فى القاهرة، ولقد نشر الكتاب فى العاصمة المصرية لدى مطبعة جول باربييه فى العام 1894، أما ترجمته الأولى إلى اللغة العربية فقام بها محمد البخارى.
قدم قاسم أمين لكتابه هذا بنص جاء فيه: "تتضمن هذه السطور رداً موجزاً على الأفكار التى تحدث بها، عن المصريين، دوق داركور فى كتابه الذى لم أتعرض بالتفصيل لجميع ما صادفنى فيه من أخطاء. فقد كان هذا يتطلب منى من الوقت ما لا يتسع لى لسوء الحظ، وهكذا لم يتح لى إلا تسجيل بعض الملاحظات على هامش مؤلف دوق داركور. على أننى عنيت هنا عناية خاصة بالتصدى لهذه القوانين العامة التى أراد استخلاصها من الوقائع التى سجلها، وليس يعنينى أننا نعيش فى أيامنا هذه فى حال من التخلف، فستجتاز مصر ما اجتازته أوروبا من قبل، غير أن الشىء الذى لا أستطيع قبوله هو أن يكون قدرنا أن نخلد فى هذه الحال من التخلف من دون أن نتحرر منها أبدا".
وقسم قاسم أمين كتابه هذا، فصولاً من الواضح أنه شاء لكل منها أن يكون رداً على أمر أثاره الدوق الفرنسى، مفنّداً أخطاء هذا الأخير و"تحاملاته" واحدة واحدة، وهكذا نجده يتناول تباعاً شخصية المصرى من الناحية التاريخية، ثم أحوال المجتمع المصرى فكفاية المصريين القتالية، قبل أن يتحدث عن الرق والحكومة وأحوال النساء وتعدد الزوجات والطلاق، ثم إذ يتطرق فى كلام هادئ وموزون إلى الحب، يصل إلى الحديث عن الدين ثم عن الأخلاق فعن التعليم على ضوء الإسلام ورأيه فى العلم... وينتقل من هذا إلى الحديث عن العلوم والآداب قبل أن يسبق خاتمة كتابه بفقرة تحدث فيها عن أوروبا قائلاً أن تأثير أوروبا فى مصر أخذ "يتزايد منذ عصر سعيد حتى أصبح له فى عصر إسماعيل سيطرة حقيقية علينا، إذ باتت كل أفعالنا ولفتاتنا خاضعة للأوامر الصادرة عن مجالس وزراء باريس ولندن وبرلين، وأضحى وزراؤنا يميلون إلى اليمين ومرة إلى اليسار، خاضعين دائماً إلى أوروبا، ولم يفكر أحد فى توجيه اللوم إليهم، وإنما يرثى الجميع لهم، ما دام القانون هو آخر منطق يتعامل به فى الصراعات الدولية (...) ترى ألا يجدر بأوروبا (على ضوء هذا) أن تعاملنا بحدب الأخت الكبرى؟ لماذا - يا إلهى - هذه الكراهية الحمقاء المتبادلة بين الجانبين وإن تكن بالغة الضآلة من الجانب المصرى الذى يتسامح معها أكثر مما تتسامح معه أوروبا؟ ما نفع الحضارة إن لم تقد البشرية إلى الخير؟ لقد آن الأوان لكى تدرك أوروبا أن المصريين قد عانوا ولا يزالون يعانون بسببها، وان العدالة تفرض عليها واجب إصلاح ما أفسدته.