نعرف الكاتب المصرى المميز مصطفى لطفى المنفلوطى، الذى ولد سنة 1876م بمدينة منفلوط إحدى مدن محافظة أسيوط، لأب مصرى وأم تركية، والتحق بكتَّاب القرية، فحفظ القرآن الكريم كله وهو فى التاسعة من عمره، ثم أرسله أبوه إلى الجامع الأزهر بالقاهرة فظل يتلقى العلم فيه طوال عشر سنوات، ولم يلبث المنفلوطى، وهو فى مقتبل عمره أن اتصل بالشيخ الإمام محمد عبده، فلزم حلقته فى الأزهر، واستمع لشروحاته العميقة لآيات القرآن الكريم، ومعانى الإسلام.
وبعد وفاة أستاذه الإمام محمد عبده رجع المنفلوطى إلى بلدته، ومكث عامين متفرغًا لدراسة كتب الأدب القديم، فقرأ للجاحظ، والمتنبي، وأبى العلاء المعرى وغيرهم من الأعلام، وكون لنفسه أسلوبًا خاصًّا يعتمد على شعوره وحساسية نفسه، وأبدع العديد من الكتب، ورحل عن عاملنا فى عام 1924م، ونتوقف اليوم مع كتابه "النظرات".
والكتاب مجموعة من المقالات الاجتماعية والسياسية والدينية، حرص "المنفلوطى" من خلالها على معالجة شئون المجتمع، فعلى الصعيد الاجتماعى — الذى استأثر بالقسم الأكبر من كتاباته — دعى للإصلاح، والتهذيب الخلقى، والتحلِّى بالفضائل، والذود عن الدين والوطن، ونادى بضرورة التحرر من الخرافات والجهل والخمول والكسل.
كما خصَّ المرأة بمقالتين، أكد فيهما على مكانتها وأهمية دورها فى الحياة، وفى المجال الديني، رثى لبُعد المسلمين عن دينهم، وعزا ضعفهم إلى البعد عنه، كما ثار على الخرافات التى ابتدعها المسلمون، مثل: تقديم النذور للأولياء، وبناء الأضرحة على القبور، وغيرها من الأمور التى ما أنزل الله بها من سلطان، وسياسيًّا تحدث عن القضية المصرية ووصف حال الأمة المصرية المنقسمة آنذاك، كما أشاد بالزعيم الوطنى "سعد زغلول" واصفًا إياه بأنه "منقذ الأمة".
يقول مصطفى لطفى المنفلوطى فى مقدمة الكتاب:
يسألنى كثير من الناس، كَشَأْنهم فى سؤال الكُتَّاب والشعراء، كيف أكتب رسائلي؟ كأنما يريدون أن يعرفوا الطريق التى أسلكها إليها فيسلكوها معى، وخير لهم ألا يفعلوا، فإنى لا أحبُّ لهم ولا لأحد من الشادِين فى الأدب أن يكونوا مُقيَّدين فى الكتابة بطريقتى، أو طريقة أحد من الكُتَّاب غيرى. وليعلموا، إن كانوا يعتقدون لى شيئًا من الفضل فى هذا الأمر، أنى ما استطعت أن أكتب لهم تلك الرسائل التى يعلمونها بهذا الأسلوب الذى يزعُمون أنهم يعرفون لى الفضل فيه، إلَّا لأنى استطعت أن أتفلَّت من قيود التمثُّل والاحتذاء، وما نفعنى فى ذلك شيءٌ ما نفعنى ضعف ذاكرتى والتواؤها على، وعجزها عن أن تمسك إلَّا قليلًا من المقروءات التى كانت تمر بى، فلقد كنت أقرأ من منثور القول ومنظومه ما شاء الله أن أقرأ، ثم لا ألبث أن أنساه، فلا يبقى منه فى ذاكرتى إلا جمالُ آثاره وروعة حسنه ورنةُ الطرب به.