"يمكن لأى من أبنائى، الذى سيهبه الله السلطنة، أن يتخلص من إخوته لأجل مصلحة الدولة، وهو ما تقره أغلبية العلماء"، هكذا نص "قانون نامه" الذى أقره السلطان العثمانى محمد الفاتح، القانون الذى وضعه لتسيير نظام الدولة من بعده، ومن هنا كانت بداية "مذبحة الأخوة الذكور"، أو لنكن أكثر دقة: بداية تقنينها، وهذا هو السلطان الذى وصف بالفاتح وتدافع عنه الجماعات الإرهابية الآن.
شنت وسائل إعلام الجماعة الإرهابية، والتى يبث أغلبها من تركيا وقطر هجوما على دار الإفتاء بتحريف الكلام عن مواضعه، واتهمت الدار زورا بأنها تصف السلطان العثمانى محمد الفاتح بالمحتل، وهو ما لم يرد فى بيان دار الإفتاء، فى محاولة مستمرة تنتهجها الجماعة الإرهابية لـ"عثمنة التاريخ".
محمد الفاتح هو سابع سلاطين الدولة العثمانية وسلالة آل عثمان يُلقب إلى جانب الفاتح، بأبى الفتوح وأبو الخيرات، وبعد فتح القسطنطينية أضيف لقب قيصر إلى ألقابه وألقاب باقى السلاطين الذين تلوه، حكم ما يقرب من ثلاثين عاما عرفت توسعا كبيرا للدولة العثمانية.
فقيام سلاطين بنى عثمان بقتل أخوتهم الذكور سبق عهد محمد الثانى المعروف بـ"الفاتح"، فالسلطان بايزيد الأول فور توليه الحكم، أمر بقتل أخيه يعقوب المعروف بالشجاعة والقوة، فقط لأنه خشى مطالبته بالعرش، وذكر بعض المؤرخين - ومنهم من ذكره فى سياق الدفاع عن هذا القانون الدموى - أن رأى "الفقهاء" العثمانيين فى المسألة كان أن "الفتنة أشد من القتل فنحن نأخذ أهون الضررين"!.
وبعد وقوع بايزيد فى أسر تيمورلنك وموته فى محبسه، ضربت الفوضى الدولة العثمانية، فتحارب أبناؤه حتى تغلب أحدهم-محمد الأول-وقتل إخوته المنافسين، بل قيل إن محمد الفاتح نفسه حين تولى السلطنة، أمر بخنق أخ له رضيع، وهى واقعة صحتها محل جدل، وإن كان محمد فريد بك-المعروف بانتمائه العثمانى- ذكرها فى كتابه "تاريخ الدولة العلية العثمانية".
فى سياق آخر قال المؤرخ ادوارد شيبرد كريسى فى كتابه تاريخ العثمانيين الأتراك أن كل أهل القسطنطينية تحولوا إلى رقيق وعبيد وتم بيعهم جميعاً فى أدرنة وما حولها وذهب فى وصف السلطان وجيشه وصفاً مروعاً لا يمكننا عرضه فى هذا الموضع، وذهبت الموسوعة الأميركية نسخة 1980 مذهب اخف، وأكدت على أن السلطان قام باسترقاق كل مسيحى القسطنطينية، وباعهم فى المدن المجاورة بأبخث الأثمان، ويضيف جون هاسلب فى كتابه سقوط القسطنطينية ألى أنه قد تمت سرقة كنوز القسطنطينية كلها وتم افراغ القصر الامبراطورى من موجوداته وتم الاعتداء على الأميرات.
وبحسب دراسة للباحث نافع شابو "فإنه عند دخول الجيش العثمانى القسطنطينية (1453 م)، انتشر القتل فى كل مكان منها، وكَثُر النهب والاغتصاب، ومن الممكن القول إن البسالة التى أبداها الجنود في الهجوم انقلبت إلى تلذذ وحشى واستباحة مطلقة، وهو ما يتفق مع عدد من الدراسات التى أكدت أن السلطان العثمانى السابق، قام أثناء فتح القسطنطينية، بقتل ملايين المسيحين وبيع الآخرين فى أسواق الرقيق، واغتصب جنوده النساء، وتم قتل آلاف الأطفال.