نسمع عن أنبياء بنى إسرائيل، لكننا لا نعرف الكثير عنهم، خاصة أن معظم المعلومات مستمدة من الإسرائيليات، لكن التراث الإسلامى لم يغفل الكلام عن هذه الموضوعات.. ونستعرض اليوم ما قاله فى قصة النبى حزقيل.
وقال كتاب "البداية والنهاية" تحت عنوان "قصة حزقيل":
قال الله تعالى: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ الله مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ الله لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ" [البقرة: 243] .
قال محمد بن إسحاق، عن وهب بن منبه: إن كالب بن يوفنا لما قبضه الله إليه بعد يوشع، خلف فى بنى إسرائيل حزقيل بن بوذى، وهو ابن العجوز، وهو الذى دعا للقوم الذين ذكرهم الله فى كتابه فيما بلغنا "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ".
وقال ابن إسحاق: فروا من الوباء فنزلوا بصعيد من الأرض، فقال لهم الله موتوا فماتوا جميعا، فحظروا عليهم حظيرة دون السباع، فمضت عليهم دهور طويلة، فمر بهم حزقيل عليه السلام فوقف عليهم متفكرا، فقيل له: أتحب أن يبعثهم الله وأنت تنظر؟
فقال: نعم.
فأمر أن يدعو تلك العظام أن تكتسى لحما، وأن يتصل العصب بعضه ببعض، فناداهم عن أمر الله له بذلك، فقام القوم أجمعون وكبروا تكبيرة رجل واحد.
وقال أسباط، عن السدى، عن أبى مالك، وعن أبى صالح، عن ابن عباس، وعن مرة الهمدانى، عن ابن مسعود، وعن أناس من الصحابة فى قوله: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ الله مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ" [البقرة: 243] .
قالوا: كانت قرية يقال لها داوردان قبل واسط، وقع بها الطاعون فهرب عامة أهلها، فنزلوا ناحية منها فهلك أكثر من بقى فى القرية، وسلم الآخرون فلم يمت منهم كثير، فلما ارتفع الطاعون رجعوا سالمين، فقال الذين بقوا: أصحابنا هؤلاء كانوا أحزم منا، لو صنعنا كما صنعوا بقينا، ولئن وقع الطاعون ثانية لنخرجن معهم.
فوقع فى قابل فهربوا، وهم بضعة وثلاثون ألفا، حتى نزلوا ذلك المكان وهو واد أفيح، فناداهم ملك من أسفل الوادي، وآخر من أعلاه، أن موتوا فماتوا، حتى إذا هلكوا وبقيت أجسادهم، مر بهم نبى يقال له حزقيل، فلما رآهم وقف عليهم، فجعل يتفكر فيهم، ويلوى شدقيه وأصابعه.
فأوحى الله إليه يا حزقيل تريد أن أريك كيف أحييهم؟
قال: نعم، وإنما كان تفكره أنه تعجب من قدرة الله عليهم.
فقيل له: ناد، فنادى: يا أيتها العظام إن الله يأمرك أن تجتمعي، فجعلت العظام يطير بعضها إلى بعض حتى كانت أجسادا من عظام، ثم أوحى الله إليه أن نادِ يا أيتها العظام إن الله يأمرك أن تكتسى لحما، فاكتست لحما ودما وثيابها التى ماتت فيها.
ثم قيل له: ناد، فنادى: أيتها الأجساد إن الله يأمرك أن تقومى فقاموا، قال أسباط: فزعم منصور بن المعتمر، عن مجاهد أنهم قالوا حين أحيوا: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت، فرجعوا إلى قومهم أحياء، يعرفون أنهم كانوا موتى، سحنة الموت على وجوههم، لا يلبسون ثوبا إلا عاد رسما، حتى ماتوا لآجالهم التى كتبت لهم.
وعن ابن عباس أنهم كانوا أربعة آلاف. وعنه: ثمانية آلاف.
وعن أبى صالح: تسعة آلاف.
وعن ابن عباس أيضا: كانوا أربعين ألفا.
وعن سعيد بن عبد العزيز: كانوا من أهل أذرعات.
وقال ابن جريج. عن عطاء: هذا مثل، يعنى أنه سيق مثلا مبينا أنه لن يغنى حذر من قدر، وقول الجمهور أقوى إن هذا وقع.
وقد روى الإمام أحمد، وصاحبا الصحيح. من طريق الزهري. عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن عبد الله بن عباس، أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام، حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد، أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء وقع بالشام.
فذكر الحديث، يعنى فى مشاورته المهاجرين والأنصار، فاختلفوا عليه، فجاءه عبد الرحمن بن عوف وكان متغيبا ببعض حاجته، فقال: إن عندى من هذا علما، سمعت رسول الله ﷺ يقول:
"إذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه، وإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه" فحمد الله عمر ثم انصرف.
وقال الإمام: حدثنا حجاج ويزيد المفتى قالا: حدثنا ابن أبى ذؤيب عن الزهري، عن سالم، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أن عبد الرحمن بن عوف أخبر عمر وهو فى الشام، عن النبى ﷺ:
"أن هذا السقم عذب به الأمم قبلكم، فإذا سمعتم به فى أرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه".
قال: فرجع عمر من الشام. وأخرجاه من حديث مالك، عن الزهري، بنحوه.
قال محمد بن إسحاق: ولم يذكر لنا مدة لبث حزقيل فى بنى إسرائيل، ثم إن الله قبضه إليه، فلما قبض نسى بنو إسرائيل عهد الله إليهم، وعظمت فيهم الأحداث، وعبدوا الأوثان، وكان فى جملة ما يعبدونه من الأصنام صنم يقال له: بعل، فبعث الله إليهم إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران.
قلت: وقد قدمنا قصة إلياس تبعا لقصة الخضر، لأنهما يقرنان فى الذكر غالبا، ولأجل أنها بعد قصة موسى فى سورة الصافات، فتعجلنا قصته لذلك، والله أعلم.