أصبح المصريون الذى كانوا يمنون أنفسهم بإقامة شعائر الركن الأعظم فى الإسلام، محرومون من أداء فريضة الحج هذا العام، بسبب الإجراءات الاحترازية التى أعلنتها المملكة العربية السعودية، حيث قررت إقامة موسم استثنائى بأداء المناسك بعدد محدد من المقيمين داخل المملكة، خوفا من انتشار عدوى الإصابة بفيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" بين صفوف الحجيج.
ويبدو أن هذا العام لم يكن الأول، فأهل مصر، حرموا من قبل نحو 22 مرة من أداء فريضة الحج الوقوف بجبل عرفات، فوفقا للدكتور على جمعة مفتى الديار المصرية الأسبق، فإن مصر امتنعت عن إرسال بعثة الحج 22 مرة، أحدها كان عام 317 هجرية بسبب هجوم القرامطة على الحرم المكى ومنعهم للحج 40 عاما.
ويبدو أن المصريين كانوا دائما يسيرون على نهج النبى، بالامتناع عن دخول البلاد الذى ينتشر فيها الوباء، فعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ [يعني: الطاعون] بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْه)، فلم ترسل مصر ولم يخرج المصريون لأداء فريضة الحج، أثناء تفشى الأوبئة أو وقوع حروب.
موضحا أنه فى 1320 هجرية الموافق 1903 ميلاديا، انتشر وباء فى مكة المكرمة، وحينها سأل الوزير الذى يحكم مكة أهل العلم عن جواز إلغاء الحج والعمرة، وبالفعل أصدر أمرا بإلغاء الشعائر، وألف كتابا بعنوان "جواب الوزير فى امتناع دخول مكة فى الوباء الكبير".
ومن ضمن الأحداث العامة التي كان سببها الفتن المجتمعية، والحروب، ودور الغزاة والطغاة، والاضطرابات والاحتجاجات التى أدت إلى تأثر شعائر الحج وقت حدوثها، ما حدث عام 251 هـ/ 865م، عندما أُبطل الحج بعد أن شهد مذبحة على صعيد عرفة، بسبب هجوم إسماعيل بن يوسف العلوي هو ومن معه على الحجاج فقتلوا أعدادا كبيرة.
وفى عام 317 هـ / 930م، اختطف القرامطة الحجر الأسود ونقلوه إلى عاصمتهم فى البحرين، ما تسبب بتعطيل موسم الحج لمدة يعتقد أنها وصلت حتى 10 أعوام، بينما دعا زعيمهم الناس إلى أداء فريضة الحج فى البحرين، وقال الإمام الذهبى فى "تاريخ الإسلام": "ولم يقف أحد تلك السنة وقفة عرفة، وبذلك تعطل حج المسلمين الذى هو أهم عندهم من صلوات الجماعات".
وفى عام 1000 ميلادية انقطع المصريون عن الحج فى عهد العزيز بالله الفاطمي بسبب شدة الغلاء، كذلك تقرر الأمر في عام 1028 ميلادية، كما لم يتمكن المصريون من أداء فريضة الحج في عام 1168 بسبب حرب داخلية.
وتعطل موسم الحج في عام 1030 ميلادية، حيث لم يؤد الفريضة إلا مجموعة من العراقيين، وانقطع أهل العراق وخراسان والشام ومصر عن الحج في موسم عام 1039 ميلادية.
فى أحداث سنة 563 هجرية، لم يحج المصريون لما فيه ملكهم من الويل والاشتغال بحرب أسد الدين، وبعد ذلك لم يحج أحد من سائر الأقطار، عدا الحجاز من سنة 654 إلى سنة 658 هجرية.
أما آخر التواريخ التي تعطل فيها الحج جزئيا أو كليا، فيعود إلى عام 1799م، حيث توثقت قوافل الحجيج أثناء الحملة الفرنسية لانعدام الأمن على الطرقات.
وفى سنة 1344 هجرية، حدث ما سمى بحادث المحمل المصرى، وتسبب عنه انقطاع الحج تماما من مصر، إذ تقاتل بعض الحجاج النجديين المنتمين للوهابيين، مع عساكر المحمل المصرى، بالقرب من منى.