الأديان السماوية، وبعض الأديان الشرقية، وعددا من الحضارات القديمة، يؤمنون بالبعث الآخر، والنعيم الأبدى والجحيم السرمدى أيضا، وهو أمر مؤكدا لا ريب فيه عند الإبراهيمين جميعا مسلمون ومسيحيون ويهود.
ولعل قول الله تعالى فى ذكره الحكيم، أكبر دليلا على ذلك حين قال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِى رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ" (الحج 5)، لكن بعيدا عن هذا الاعتقاد، ما هى اللغة التى سوف يتحدث بها أهل الجنة أو النعيم، وكيف سيكون حديث أهل النار، وهل يجتمع أحد الجانبين على لغة بعينها؟
ومن العلماء من قال إن لغة أهل الجنة هى اللغة العربية، ولغة أهل النار هى اللغة الفارسية والحقيقة أن كلا الرأيين لا يصحان بحسب بعض المفسرين، وليس لهما شواهد وأدلة قطعية، وإنما هى مجرد استدلالات واستنتاجات لا ترقى إلى درجة اليقين.
وورد عن النبى محمد صلى الله عليه وسلم، قوله: (أحبوا العرب لثلاث لأنى عربى، والقرآن عربى، وكلام أهل الجنة عربى)، لكن هذا الحديث حكم عليه ابن الجوزى بالوضع، وقال الذهبي: أظن الحديث موضوعا، ووضعه الألبانى فى السلسلة الضعيفة.
وورد أيضا فى حديث نسب إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم، حيث روى العلماء حديثاً آخر عن هارون بن رئاب، عن أنس بن مالك رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدخلُ أَهلُ الْجَنةِ الْجَنَّةَ عَلَى طُولِ آدَمَ، سِتِّينَ ذِرَاعاً بِذِرَاعِ المَلِكِ، على حُسْنِ يُوسُفَ، وعلى مِيلادِ عيسى ثلاث وَثلَاثِينَ، وعلى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جُرْدٌ مُرْدٌ مُكَحَّلُونَ"، وهذا الحديث روى من طرق أخرى من غير زيادة "وعلى لسان محمد صلى الله عليه وسلم"، وقد أنكر أهل الحديث هذه الزيادة، لأن المتفرد بها رواد بن الجراح، ولا يصح تفرده بسبب ضعفه، وهناك علّة أخرى، وهى أن هارون بن رئاب شكك العلماء فى روايته عن أنس، وبهذه المخالفة ضعف الاستشهاد به جداً.
ولم نعثر فى التراث الإسلامى وجه صحيح مرفوع منسوب للنبى صلى الله عليه وسلم أو فى الذكر الحكيم، يثبت نوع لسان أهل الجنة هل هو عربى أم لا؟ وغاية ما جاء فى هذا الشأن من آثار هو ما ينسب إلى بعض الصحابة والتابعين ومن بعدهم، منها ما ذكره ابن كثير فى تفسيره عند قوله تعالى فى سورة الشعراء: "بِلِسَانٍ عَرَبِى مُبِينٍ (الشعراء:195)، قال: واللسان يوم القيامة بالسريانية، فمن دخل الجنة تكلم بالعربية، رواه ابن أبى حاتم.
ومنها ما ذكره ابن القيم فى كتابه حادى الأرواح فقال: روى داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: لسان أهل الجنة عربي. وقال عقيل: قال الزهري: لسان أهل الجنة عربي.