الشاى فى مصر ليس مشروبا فقط، هو حالة مزاجية وشعورية يعيشها المصريون، فهو المشروب الرسمى والأكثر استخداما بين المشروبات الساخنة، تجده فى المقاهى لا تخلوا أى طاولة من مشروب الشاى، وفى المنزل لا غنى عن وجوده فى جميع البيوت المصرية.
الشاى الذى يقال إنه انتشر بشكله الحالى فى مصر أثناء الحرب العالمية الأولى 1914-1918م بناء على أرشيف الصحف المصرية التى نادت بمنع الفلاحين البسطاء والمواطنين البسطاء من شربه، وعدم استيراده بحجة تأثيره فى الفلاحين، أصبح الآن وبعد مرور أكثر من قرن من الزمان أيقونة وحالة ثقافية واجتماعية، وتحول مع الوقت إلى تأويله فى مصطلحات كوميدية وجنسية أحيانا.
حالة اجتماعية وطريقة ود
ارتبط الشاى باجتماعات المصريين وجلساتهم، وتجد الأقارب إذا اتفقوا على موعد لكى يجتمعون يقولون "نشرب الشاى سوا"، حتى فى حالات العرس وعندما يذهب أحدهم ليطلب الزواج من إحداهن، تجده يحدث الأب، ويقوله له: "هاجى اشرب معاكم الشاى"، وربما اختياره هنا دلالة على ارتبطه بالمنزل، وعندما يقول شخص ذلك، معناه أنه يتودد لمن يحدثه ويخبره أن واحد من أفراد هذا البيت.
أيضا الشاى له مصطلحات أخرى فى حياتنا اليومية تعبيرا عن ارتبطنا الاجتماعى به، ومن المصطلحات الشعبية المتداولة لدى الطبقات الشعبية فى مصر.. مصطلح "الاصطباحة" وهو أحد الاشتقاقات اللغوية من الصباح أو "الصبح" كما ينطقها المصريون والاصطباحة عند المصرى تعنى الجلوس على المقهى وشرب الشاى بالحليب، هذا بالنسبة لطبقة الحرفيين والعاملين باليومية وهم كُثر فى المجتمع المصرى من أساسيات اليوم.
الحب والعمل معا
ربما يتعجب البعض حين يقال إن الشاى هو الذى يجمع المحبين، هذا ما أشارت إليه الفنانة "فايزة أحمد" فى أغنيتها "قاعد معاى" كلمات الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى، وفيها "مادام معاى اللى بحبه وبريده/ مادام معاى/ وبنقسم اللقمة ونضحك وبنشرب شاى/ ميهمنيش مهما إن قالوا، ماهو دول عوازلى وعزاله" وكأن المشروب الأحمر الداكن يتقاسم لحظات العشق بين المحبين.
كذلك اجتماعات العمل الرسمية تجدهم يطلقون عليه "حفلة شاى"، وبالتأكيد ففى أغلب الأعمال اليومية إن لم يكن جمعيها فلا يخلو أى مكان عمل من وجود هذا المشروب الشهير، وتجده على كل المكاتب يتقاسم أوقات العمل معانا.
الفن والحداثة
اعتقد أن الشاى، كان وسيلة التعبير عن الحداثة والتطوير الذى طرأ على حياة المصريين حين خرجت علينا الفنانة المطربة ليلى نظمى لتغنى "مشربش الشاى، أشرب أزوزة أنا" وكأن "الأزوزة" أو المشروبات الباردة أصبحت تعادل الشاى، فأصبح المشروب الأحمر هو وسيلة الفن للتعبير عن الحداثة فى المجتمع المصرى.
الفن أيضا استخدم الشاى فى الكثير من المصطلحات وإن كان أغلبها فى إطار كوميدى، تعبيرا عن ارتباط المصريين الوثيق بهذا المشروب، فتجد موقفا كوميديا شهيرا فى مسرحية "المتزوجون" عام 1978، حيث يمسك "حنفى"، الذى لعب دوره الفنان القدير جورج سيدهم، بإبريق الشاى، ويعرض على "المعلم طربقها الجزار"، الذى لعب دوره الفنان زكريا موافى، شرب الشاى، فما كان من الأخير إلا أن رد قائلا "مش عايز شاى"، فيقول له "حنفى": "إن شاالله عنك ما طفحت حاجة"، ثم يكرر سؤاله "تشرب شاى؟"، فى موقف كوميدى مرتبط بالشاى ما زال يذكره مشاهدو المسرحية.
وأخيرا فأغنية مثل أغنية "تشرب إيه، أشرب شاى" للنجم الشاب حمادة هلال، التى غناها كدعاية لإحدى الشركات، وجدت صدى واسع لدى المصريين، واصبحت "تريند" بينهم، وإيفه دائم يتحدثون به الآن.
جرائم
جاء الشاى فى ضحك المصريين وأفراحهم ونجاحاتهم، وأطلَّ أيضا فى أحزانهم وجرائم البعض منهم، حيث ذكرت تحريات وتحقيقات أجهزة الأمن بالجيزة، أن قهوجيا قتل بائع فول أمام المارة بميدان الجيزة، بعد رفض المجنى عليه شرب "كوباية شاى" بحجة أنه "لم يتناول الفطار"، ما دفع المتهم للتشاجر معه وقتله بمساعدة صديقه "عاطل"، وتمكنت القوات من ضبط المتهمين وسلاح الجريمة.
مصطلحات جنسية
جميعنا يتذكر فيلم "غاوى مشاكل" للزعيم عادل إمام، حين كان يتغنى طيلة أحداث الفيلم "وهنشرب الشاى وهنشرب الشاى" تعبيرا منه عن رغبته فى إقامة علاقة مع النجمة نورا، فى إطار العمل، وكان اللفظ الذى يقوله دائما "مش هنشرب الشاى بقه" وكأن الشاى هو المعبر عن الرغبة والنشوة لديه، أو تعبيرا أن رغبته فى إقامة علاقة هو ضرورى جدا كضرورة وجود الشاى.