نقرأ معا كتاب "الحضارة: كيف هيمنت حضارة الغرب على الشرق والغرب؟" لـ " نيال فيرجسون" والسؤال الرئيس الذى يحاول هذا الكتاب معالجته، فهو: لماذا تمكّنت حفنة من الدول الصغيرة الواقعة عند الطرف الغربى من أوراسيا (كتلة أوروبا وآسيا)، بدءًا من العام 1500، من السيطرة على بقية أنحاء العالم، وهى مساحة تضم بعض أكثر المناطق كثافة سكانية، وبعض أكثر المجتمعات تقدمًا فى شرق أوراسيا؟
وأما السؤال الفرعى، حسبما ورد في مقدمة الكتاب، فهو: إذا تمكنا من الحصول على تفسير مقنع عن صعود الغرب فى الماضي، فهل سنستطيع تقديم توقعات المستقبل ذلك الصعود؟ هل يعنى ذلك حقًا نهاية عالم الغرب، وقدوم الحقبة الشرقية الجديدة؟ هل يعنى ذلك، وبكلمات أخرى، أننا نشهد انحسار العصر الذى رزحت فيه الغالبية الساحقة من البشرية، بشكلٍ أو بآخر، تحت نير الحضارة التى نشأت فى أوروبا الغربية غداة عصر النهضة والإصلاح، وهى الحضارة التى عزّزها التنوير والثورة العلمية، والتى انتشرت عبر المحيط الأطلسى ووصلت حتى أقاصى العالم، وأن هذه الحضارة قد وصلت أخيرًا إلى أوجها فى خلال أعصر الثورة، والصناعة، والحكم الأمبراطورى؟
إن مجرد طرح الأسئلة يوحى بأمرٍ ما بشأن العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، ويقول المؤلف، افترضت عندما كنت فى العشرينيات والثلاثينيات من عمرى أننى سوف أمضى حياتى المهنية إما فى أكسفورد وإما فى كامبريدج، وأنا الذى ولدت فى اسكتلندا ونشأت فيها، كما تلقيت تعليمى فى أكاديمية غجاسكو وفى جامعة أكسفورد، بدأت أولًا بالتفكير فى الانتقال إلى الولايات المتحدة، وذلك عندما طرح على هنرى كوفمان، وهو أحد أبرز الداعمين الماليين لمعهد شتيرن للتجارة التابع لجامعة نيويورك، وأحد المخضرمين فى وال ستريت، سؤالًا عن العوامل التى تمنع شخصًا ما يهتم بتاريخ المال والسلطة من القدوم إلى حيث يتركز المال والسلطة فى حقيقة الأمر. وأين يُمكن أن يكون ذلك فى مكانٍ غير وسط مانهاتن؟ وما إن أطلت الألفية الجديدة حتى ترسّخت صورة بورصة نيويورك بوصفها مركزًا لشبكة اقتصادية عالمية هائلة، أميركية فى تصميمها، وهى الشبكة التى يمتلك الأميركيون معظمها.
أما فقاعة شركات الدوت كوم فقد أخذت بالتضاؤل على ما ظهر فى ذلك الوقت، كما أن ركودًا صغيرًا، لكنه سيئ بطبيعته، أدى إلى خسارة الديمقراطيين للبيت الأبيض، وذلك فى وقتٍ بدا فيه أن التزامهم تسديد الدين القومى [العام] هو التزام معقول غالبًا.
واجه جورج دبليو بوش فى غضون الأشهر الثمانية الأولى من توليه منصب الرئيس حادثة أدت إلى تعزيز مركزية مانهاتن بالنسبة إلى العالم الذى يهيمن عليه الغرب. إن قيام إرهابيين تابعين للقاعدة بتدمير مركز التجارة العالمى كان ثناءً مريعًا على دور مدينة نيويورك. كانت هذه المدينة الهدف الرقم واحد لأى شخص يريد تحدى الهيمنة الغربية بشكلٍ جدى.