نواصل قصة السيدة مريم، عليها السلام، كما عرضها التراث الإسلامى، وتناولها الكتاب والفقهاء وكتاب السير والمفسرون، ونحاول أن نعرف رأيهم فى التفاصيل، ومنها: هل كان للسيدة مريم شقيق يسمى هارون؟
يقول كتاب "البداية والنهاية":
ورد فى الحديث الصحيح الدال على أنه قد كان لها (السيدة مريم) أخ اسمه هرون.
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن إدريس، سمعت أبى يذكره عن سماك، عن علقمة بن وائل، عن المغيرة بن شعبة قال: بعثنى رسول الله ﷺ إلى نجران فقالوا:
أرأيت ما تقرؤن: { يَا أُخْتَ هَارُونَ } وموسى قبل عيسى بكذا وكذا.
قال: فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله ﷺ فقال:
" ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم ".
وكذا رواه مسلم، والنسائي، والترمذى من حديث عبد الله بن إدريس، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديثه.
وفى رواية: " ألا أخبرتهم أنهم كانوا يتسمون بأسماء صالحيهم وأنبيائهم ".
وذكر قتادة وغيره أنهم كانوا يكثرون من التسمية بهارون، حتى قيل إنه حضر بعض جنائزهم بشر كثير، منهم ممن يسمى بهارون أربعون ألفا، فالله أعلم.
والمقصود أنهم قالوا: "يَا أُخْتَ هَارُونَ" ودل الحديث على أنها قد كان لها أخ نسبى اسمه هارون، وكان مشهورا بالدين والصلاح والخير ولهذا قالوا: "مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّا" أى: لست من بيت هذا شيمتهم ولا سجيتهم، لا أخوك ولا أمك ولا أبوك، فاتهموها بالفاحشة العظمى، ورموها بالداهية الدهياء.
فذكر ابن جرير فى تاريخه أنهم اتهموا بها زكريا وأرادوا قتله، ففر منهم فلحقوه، وقد انشقت له الشجرة فدخلها، وأمسك إبليس بطرف ردائه فنشروه فيها كما قدمنا. ومن المنافقين من اتهمها بابن خالها يوسف بن يعقوب النجار، فلما ضاق الحال وانحصر المجال، وامتنع المقال، عظم التوكل على ذى الجلال، ولم يبق إلا الإخلاص والاتكال.