يقول على يوسف فى مقدمة كتاب "فلسفة الضوء" لابن الهيثم هو الحسن بن الحسين، نشأ بالبصرة فى أواخر القرن الثالث الهجرى، وهو كغيره من بعض نوادر النوابغ لم يعلم عن نشأته شيئًا فى التاريخ سوى أنه تلقى ببلده علوم الأوائل، فبرع فى الفلسفة الطبيعية والهندسة التى تميز من بين علماء عصره، بل علماء العرب جملةً، بإتقانها، وبصر بفنونها حتى فاق إقليدس وأبولونيوس، ولا شك أنه أربى عليهم بكثير، حيث استخدم قوانين المنطق وطبَّق علم الهندسة عليها.
ولم تقف همته عند ذلك الحد، بل استحدث هندسة جديدة لم تعهد عن المتقدمين بوضعه مقالته فى "المعلومات" على أنه أدخل فى الجبر والحساب أساليب جديدة فى استخراج المسائل الحسابية وعدَّل فى أوضاع الجبريين واصطلاحاتهم.
اشتغل مدة بتدريس صناعة الهندسة ببلده، ولما اشتهر أمره فى الآفاق، وبلغ خبره وشأنه وما يُحكى عنه من الإبداع فى فنون الهندسة أحدَ الخلفاء العلويين بمصر وهو "الحاكم" الذى كان يميل إلى علوم الحكمة، تاقت نفسه لرؤيا هذا الفيلسوف الرياضى، وقد نُقل إلى هذا الأمير بعدئذٍ أن ابن الهيثم قال: "لو كنت بمصر لعملت فى نيلها عملًا يحصل به النفع فى كل حالة من حالاته من زيادة ونقص، فقد بلغنى أنه ينحدر من موضعٍ عالٍ فى طرف الإقليم المصرى (يعنى جهة أسوان)"، فازداد الأمير شوقًا إليه وأرسل إليه جملة من المال وأرغبه فى الحضور إلى مصر.
فسافر ابن الهيثم إلى مصر، ولما حضر قرب مدينة القاهرة خرج إليه حاكم مصر للقائه والتقيا بقرية على باب المدينة تُعرف "بالخندق" وأمر بإنزاله وإكرامه وأقام ريثما استراح، ثم طالبه "الحاكم" بما وعد به وهو فى البصرة من النظر فى أمر النيل وهندسته للانتفاع بمائه فى حالتى الفيضان والتحاريق، فطلب منه أن يمده بالصناع والمعماريين، ليستعين بهم على هندسته التى خطرت له، فأمده الأمير بذلك، وسَار على طول الإقليم المصرى حتى وصل إلى موضع يُقال له "الجنادل" قبلى مدينة أسوان، وهو موضع الشلال المعروف الآن بشلال أسوان، فعاينه وباشره واختبره من جانبيه، ثم عاد إلى مصر وعرض رأيه على "الحاكم" معتذرًا إليه بخطارة المشروع وصعوبة إخراج ما خطر له وفكَّر فيه من القوة إلى الفعل، فقبل الحاكم اعتذاره ووافقه على ما أبداه من الآراء.
قال القفطى صاحب كتاب "تاريخ الحكماء" وهو الذى نقلنا عنه حياة هذا المهندس الإيدروليكى البارع الذى هو بالحقيقة أول مَن فكر فى ابتناء خزانٍ عامٍّ لهندسة النيل: إن ابن الهيثم لما سار فى إقليم مصر "ورأى آثار مَن تقدَّم من ساكنيه من الأمم الحالية، وهى على غاية من إحكام الصنعة وجودة الهندسة، وما اشتملت عليه من أشكال سماوية ومثالات هندسية وتصوير معجز، تحقق أن الذى يقصده ليس بممكن، فإن مَن تقدمه لم يعزب عنهم علم ما علمه ولو أمكن لفعلوا، فانكسرت همته ووقف خاطره.".
عاد ابن الهيثم إلى القاهرة ومكث بها قريبًا من "الجامع الأزهر"، وأخذ فى التدريس لطلبته وتأليف الرسائل والكتب المبتكرة فى الطبيعيات والهندسة، وعاش يرتزق من علمه وقلمه إلى أن تُوفى حوالى سنة 432.