قليلة هى الروايات التى استطاعت أن ترسم المعاناة التى عاشها الشعب السودانى خلال حقبة الاستعمار البريطانى، وأيام الثورة المهدية، لكن الروائى السودانى حمور زيادة فى روايته الأشهر "شوق الدرويش" جسد بكلماته تلك المعاناة وتحسس على آلام الأمة السودانية العريقة.
صدرت رواية "شوق الدرويش" عام 2014 عن دار العين للنشر فى القاهرة، وحازت على "جائزة نجيب محفوظ للأدب" عام 2014، ودخلت فى القائمة النهائية "القصيرة" للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) لعام 2015.
والرواية تتعرض لفترة الثورة المهدية بالسودان فى أواخر القرن التاسع عشر (1881-1899). فالخرطوم المدينة التى حكمها الإنجليز تخرب على يد جيش المهدى، ويقتل حاكمها الإنجليزى "جوردون" فيختار المهدى عاصمته على الضفة المقابلة من النهر حيث تزدهر "أم درمان" لزمن حتى يدخلها الجيش المناوئ.
وتطرح الرواية بقوة تأملات فى الحب والدين والغدر والصراع السياسى، وذلك فى حقبة حساسة من تاريخ السودان المعاصر، حيث اتخذت من الثورة السودانية مسرحًا زمنيًا لأحداثها، خاصة أنه فيما يخص الثورة المهدية، وقدمت أطرا جديدة فى السرد عن هذا الحدث السياسى الكبير فى تاريخ المعاصر، وخارجت عن المألوف من منجزات السرد الأدبى داخل السودان، والذى اكتفت بترجمات عابرة للاحتفاء والتمجيد فى الثورة المهدية، لكنه أيضا قدم صورا أخرى مغايرة وصورة وجها قبيح من صور القمع ظهرت أثناء الثورة.
يعرض الروائى "حمور زيادة" فى هذه الرواية جانبا من الصراع الاجتماعى بين الثقافة المسيحية والثقافة الصوفية الإسلامية فى السودان، فى ظل انهيار نموذج الدولة الدينية، شخصية الرواية الرئيسية هى "بخيت منديل" السجين الذى يطلق سراحه، فيعزم على الانتقام من كل من تسبب فى سجنه بعد حياة من عذابات العبودية والأسر والسجن والاستغلال الجسدى، يوافق إطلاق سراح "بخيت" بالواقعة التاريخية الرئيسة المتمثلة بدخول قوات مصرية مدعومة بالإنجليز نهاية القرن التاسع عشر إلى السودان، وهزيمة الدولة المهدية وهروب المهدى وأعوانه.
وبحسب الكاتب والباحث محسن حسن، فإن رواية "شوق الدرويش" لم يكن بإمكان مؤلفها السودانى حمور زيادة، تحت وطأة ذلك الاحتفاء، إلا أن يتغاضى عن "وجه الثورة القبيح" وما تعلق به من قهر وتهميش وإقصاء للسودانى الحالم بالخلاص، وأن يغض الطرف عن النبش الصادم فى أعماق فترة شائكة من تاريخ السودان الجريح، انتصر لها البعض، وعدها البعض الآخر من أكثر تراجيديات التاريخ السودانى وحشية ودموية، لكن روائى اليوم أكثر جرأة وتحررًا من روائى الأمس.