منذ بداية الخليقة عرف البشر الأنبياء المصطفين من الله، ليبلغوا رسائل رب العالمين إلى الناس، وكان الوسيلة الإلهية للاتصال بهؤلاء المختارين من الأنبياء والرسل هى الوحى، عن طريق الملاك جبريل، مثلما جاء فى قوله تعالى: "وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ" (يونس 106).
ووردت كلمة الوحى فى الكثير من آيات القرآن الكريم، وورد الوحى فى الذكر الحكيم فى أكثر من موضع ولشخصيات عدة ليس أنبياء فقط، حيث يقول تعالى: " وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِى وَبِرَسُولِي"، لكن ما هو معنى الوحى، وهل هو وسيلة إلهية فقط، وهل هو أمر مخصوص للأنبياء؟
المعنى اللغوى لكلمة الوحى حسبما قال الزمخشري: وحى أوحى إليه، ووحيت إليه، إذا كلمته عمَّا تخفيه عن غيره، ووحى وحيا: كتب. فالوحى كلمة تدل على معانٍ؛ منها: الإشارة، والإيماء، والكتابة، والسرعة، والصوت، والإلقاء فى الروع إلهاما وبسرعة وبشدة، ليبقى أثره فى النفس، وأصله: إعلام فى خفاء، وله صور عدة، وهى كلها تتم فى خفاء، فهو الإشارة السريعة، ولتضمنه السرعة قيل: أمر وحى للكلام على سبيل الرمز.
وبحسب مصادر إسلامية، بتعبير أشمل: الوحى كلام الله - تعالى - المنزل على نبى من أنبيائه، وهو تعريف له بمعنى اسم المفعول؛ أي: الموحى، والمعنى الشرعى (القرآني): جاء لفظ الوحى وما تصرف منه فى القرآن فى ثمانية وسبعين موضعا، بالاستقراء نجد استعمال لفظ الوحى دلالة على الإعلام الخفى السريع، والوحى كاسم معناه: الكتاب، ومصدره (وَحْي)، وفعل (أَوْحَى) مصدره (إِيحَاء)، غير أن للوحى وجوها دلالية يتطلبها السياق فى القرآن على نحو مخصوص.
فالمقصود بالمعنى الاصطلاحي: النبوة المأخوذة من النبأ بمعنى الخبر، وهو وصول خبر الله - تعالى - بطريق الوحى إلى من اختاره من عباده لتلقى ذلك.
وذكر علماء التفسير سبعة أوجه للوحى فى القرآن الكريم: "الإرسال، الإشارة مثل بالشفة أو بالصوت الخفى مثلما حدث مع العذراء، الإلهام وهو "إيقاع شيء فى القلب يطمئن له الصدر، الأمر، القول والكلام المباشر، الإعلام وهو الإلقاء فى الروع وهو خاص بالأنبياء، والوسوسة مثل فى قوله تعالى: "وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ".
وفيما يخص الوحى لغير البشر، فقد ذكر أمثلة كثيرة قرانية مثل أم موسى والحواريين، ومريم العذراء، وفى اليونانى قدم، حيث هو اعتماد "سقراط" على ما كان يطلق عليه اليونانيون جني سقراط أو "وحي دلفي" (وهو صوت يهتف به جني متلبس بسقراط كي يمنعه من ارتكاب خطأ ما وفي اليونانية، يُعرف باسم ἀποτρεπτικός apotreptikos). وكان هذا هو صوت الجني الذي يمنع "سقراط" من الدخول في السياسة. وفي حوار "فايدروس"، قيل لنا إن "سقراط" كان يعتبر هذا شكلاً من أشكال "الجنون المقدس"، نوع من الجنون الذي يعتبر هبة من الآلهة والذي يمنحنا الشعر والتصوف والحب وحتى الفلسفة.