عرف الحكام بالصورة الصارمة من أجل الحفاظ على سلامة البلاد واستقرارها، وكثيرا يلجأوا لإظهار الوجه الصارم لصد أى محاولات للخروج عليهم، لكن البعض الآخر أحب الفن والترف مع الصارمة واستخدام فنون الحرب والقتال أحيانا، حياة الترف، واهتم بالشعر والفنون، واهتم بالرحلات والتنزه.
على مدار التاريخ الإسلامى، جاء العديد من الحكام من الخلفاء والسلاطين والملوك، ليحملوا لقب "الحاكم الفرفوش" حيث لم تمنعهم حياة الحكام الصارمة من أن يعيشوا حياة الترف، وأن يقوموا بهوايتهم المحببة، ومن هؤلاء الحكام:
عبد الملك بن مروان
عرف الخليفة الأموى عبد الملك ابن مروان بأنه كان محبا للفن، فشجع عبد الملك الموسيقى والفنانى، وكان ملحنا مجيدًا، كما كافأ الشعراء بالهبات العظيمة، وحسبما ذكرت مجلة الرسالة فى عددها "297" تحت عنوان "الموسيقى فى الإسلام" وقد بلغ من اهتمام الأمراء والحكام بالموسيقى أن الخليفة عبد الملك بن مروان نفسه كان موسيقياً وملحناً. وقد اشترى يزيد بن عبد الملك (حبابة) المغنية بأربعة آلاف دينار مع أنها كانت دميمة متهدمة.
هارون الرشيد
كان الرشيد مثقفا ثقافة عربية واسعة وكان يملك أدبًا رفيعًا وتذوقًا للشعر، لذلك قيل: كان فهم الرشيد فهم العلماء. وكانت مجالسه تملأ الشعراء والعلماء والفقهاء والأطباء والموسيقيين، وكان كثيرًا ما يناقش العلماء والأدباء، كذلك كان ينقد الشعر والشعراء.
وبحسب كتاب "هارون الرشيد" لأحمد أمين، فإن هارون الرشيد كان يغدق بغير حساب، وعرف فى عصره ما سمى بـ"مجالس الرشيد" وهى مجالس الغناء حيث يزينها إبراهيم بن المهدي، وإسحاق النديم، وإبراهيم الموصلي، وازدهر علماء النصارى مثل جبريل بن بختيشوع يمهرون في الطب، وينشرون كثيرًا من الفلسفة اليونانية، إذ كان الطب أحد فروعها.
وارتفعت بلاغة الشعر فى مثل علي بن الجهم، وأبي نواس، وأبي العتاهية، وحتى النساء كُنَّ يَقُلْنَ الشِّعر كما روينا مِنْ قَبْل عن الفارعة، حتى إذا أنصفنا حكمنا بأن الشعر الحضري الذي رُوي لنا في عهد الرشيد وأمثاله كان أرقى من الشعر الجاهلي.
الآمر بأحكام الله
ازدهر الغناء والأدب بشكل عام فى عهد الدولة الفاطمية، وبحسب كتاب " الاغتيالات السياسية في مصر في عصر الدولة الفاطمية" لمحمد محمود خليل، اشتهر الخليفة الفاطمى الآمر بحبه للهو والعزف والغناء، واعتاد الخروج إلى بساتينه بظاهر القاهرة ثلاثة أيام فى الأسبوع، وكان الناس فى يوم ركوبه يخرجون من القاهرة ومعهم طعامهم وشرابهم للاحتفال به والتطلع إلى موكبه وكأنه عيد، وكان الخليفة يقتنى الجوارى اللاتى يجدن فنون الغناء والرقص والموسيقى.
وفى عصره أيضا لم يكن وزيره الأفضل بأحسن حال منه فقد كان الأفضل يجلس للشراب ومن محبى سماع الأغانى ومشاهدة الراقصات كما اتصف بحب الشعرو تنظيمه.
سيف الدولة الحمداني
أحاط سيف الدولة،مؤسس إمارة حلب،نفسه بعددٍ من الشخصيات الفكرية البارزة، من أهمهم الشاعرين الكبيرين المتنبي وأبو فراس الحمداني (الذي كان ابن عم سيف الدولة) والواعظ ابن نباتة والفيلسوف الكبير الفارابي، وكان سيف الدولة يعطي الشعراء الهِبات الخاصة ولكن بلاطه كان يشتمل أيضا على علماء الدراسات الدينية، التاريخ، الفلسفة بالإضافة إلى علم الفلك، وكما علق اس. همفريز بقوله: "في زمنه كان من الممكن لحلب أن تجاري أي بلاط في إيطاليا في عصر النهضة" واهتمام سيف الدولة بالشعراء كان له فائدته السياسية أيضا حيث كان من واجب شاعر البلاط تجاه سيده أن يحتفي به في شعره، فمن خلال شعر هؤلاء شاع نفوذ سيف الدولة في جميع أنحاء العالم الإسلامي.
وقال هو نفسه الشعر، وله أبيات جيدة، أصبحت عاصمة دولته حلب مقصدا للعلماء والشعراء العرب في هذه الفترة من حكم سيف الدولة.
الملك الكامل
عرف الملك ناصر الدين محمد بن العادل، الملقب بأبو المعالى، خامس سلاطين الدولةالأيوبية، بأنه كان محبًا لمجالسة العلماء فيه عدل وكرم وإحياء وله هيبة شديدة، وكان عارفًا بالأدب والشعر.
ووفقا لكتاب "الحياة الفكرية في مصر خلال العصر الأيوبي" تأليف "شوكت الأتروشي" فإن الملك الكامل عرف ولعه بالموسيقى والغناء، وذكر السبكى فى طباقاته أن كان مغرما بمغنية اسمها "عجيبة" كانت تتردد إلى مجالسه لتغنى له "بالجنك" على الدف، وكان افتتان الملك بالشعر قاده للاهتمام بالموسيقى والغناء سيما وان هناك تداخلا بين الغناء والشعر والموسيقى، كذلك انتشر فى عهده مجالس الغناء العامة وليس فى قصره فقط، حيث كانت تعقد فى الميادين والساحات العامة ويحضرها الناس من أجل التنزه والترفيه، وذكر العماد الأصفهانى أنه حضر بعضا منها فى القاهرة.
المؤيد شيخ المحمودى
عرف عنه كذلك ميله للموسيقى والفنون ونظم الشعر وإقامة المهرجانات والاحتفالات الكبرى والصيد والتنزه والرحلات والتى تستغرق شهرا أو أكثر، فكان من السلاطين الذين يتركون القلعة كثيرًا ويهتم بالتنزه، فمثلا عرف عنه الاحتفال بعيد كسر السد، وذلك عند فم الخليج وهو احتفال إيذانا بأن النيل وفى، وأن أحوال البلاد سوف تنتعش حيث كانت مصر تعتمد على النيل والزراعة فى اقتصادها ولا زالت وجريان مياهه فى الخليج المصرى شارع بورسعيد حاليا.
الخديوى إسماعيل
درس الخديوى الراحل فى باريس حيث درس علوم الهندسة والرياضيات والطبيعة، كما أتقن اللغة الفرنسية تحدثاً وكتابة وتأثر بالثقافة والمعمار الفرنسي كثيراً.
وبحسب كتاب "الموسيقى الشرقية والغناء العربى" تأليف قسطندى رزق، فإن الخديو إسماعيل نشر العلوم والمعارف، وإحياء الزراعة، وتوسيع نطاق الصنائع الوطنية، وترويج التجارة، وتثقيف المرأة، وتشجيع الفنون الجميلة، وفي مقدمتها الموسيقى العربية، والغناء والتمثيل، نشط للجري في سبيل الأمم المتمدنة، ولم يألُ جُهدًا في تحسين الصلات، وتمكين الألفة بين المصريين، وبين الجاليات المتوطنة في مصر، حتى بلغت في عصره الذهبى ذروة المجد، وأوج الحضارة والمدنية، وأصبحت حرية بأن تعد قطعة من أوربا لا من أفريقيا كما صرَّح بذلك شخصيًّا.