لم يكن الوجود العثمانى فى الدول العربية، إلا خرابا لهذه الدول، فمن سرقة الثورات، وتخريب البلاد، والسيطرة على كل المواهب والحرف وتحويلها إلى تركيا مقر السلاطين الغزاة العثمانيين، إلى إهمال لهذه الدول وتركها ضعيفة ولقمة سائغة أمام المستعمرين.
وتمر اليوم الذكرى الـ190، على تسليم حاكم الجزائر الداي حسين مدينة الجزائر للفرنسيين، وبداية الغزو الفرنسي للمدن الساحلية الأخرى، فى واحدة من أحط المواقف العثمانية، التى دائما ما يصفها مؤيدوها بأنها دولة الخلافة الحامية لمقدرات المسلمين.
احتلال الجزائر
كانت الدولة العثمانية تعانى حالة من التراجع والانحسار الكبير، أمام ظهور قوى كبرى استعمارية مثل فرنسا وبريطانيا، وعلى الرغم من ذلك، أنهك العثمانيون جيوشهم والجيوش العربية فى حروب لا طال لهم فيها، وكان للحاكم العثمانى فى الجزائر تصرفات مريبة تسبب فى احتلال الجزائر.
وبحسب الباحث خالد عباس طاشكندى، على الرغم من خطورة الوضع، بعد هزيمة القوات العثمانية فى أكثر من معركة أمام الفرنسيين، قام الداي حسين الوالى على الجزائر بالتصعيد مع فرنسا، وهنا يقول المؤرخون إنه واصل ارتكاب أخطاء فادحة ومثيرة للتساؤلات، من بينها قيامه بإعدام قائد الجيش الآغا يحيى في 1827، الذي كان معروفاً ببراعته وخبرته لأكثر من 12 عاماً في هذا المنصب، وكان ذلك بحجة تلقيه تقارير من الخزناجي وزير المالية تفيد بأنه يخطط للانقلاب عليه بالتعاون مع بعض أعيان القبائل، والغريب في الأمر أنه قام بتعيين صهره الداي إبراهيم الذي لم تكن له أي خبرة أو علاقة بالجيش، ونتيجة لذلك لم يتخذ القائد الجديد أي إجراءات لحماية الجزائر من تهديدات فرنسا (مذكرات أحمد باي).
حين دخلت القوات الفرنسية إلى الجزائر في 19 يونيو 1830، رداً على «حادثة المنشة»، قام الوالي العثماني وفي غضون أقل من 15 يوماً بالتوقيع على معاهدة الاستسلام «دي بورمن» بتاريخ 5 يوليو 1830، وهي معاهدة يصفها الجزائرين حتى اليوم بمعاهدة العار.
الاستعمار البريطانى لمصر
تسبب التدخل العثمانى، وتغيير الحكام بسبب مزاجية السلطان العثمانى تارة، وتارة أخرى لمصالحه مع القوى الأجنبية، فى التسبب فى الاحتلال البريطانى لمصر والذى دام لحوالى 72 عاما، شهدت استشهاد آلاف المصريين، وتبديد ثورات طالة بسبب الخيانة العثمانية.
وبحسب الباحث وليد فكرى، فإن السلطان العاجز عبد الحميد الثانى، لم يتدخل لحماية مصر، بل عزل الخديو إسماعيل الذى رفض التدخل الأجبنى، وترك مندوبي إنجلترا وفرنسا ودول أوروبا يتناقشون علنًا حول من له حق التدخل في مصر التي كانت آنذاك "ولاية عثمانية"، وللدهشة فإن عبد الحميد قد رفض مقترحًا بأن يرسل القوات العثمانية إلى مصر لفرض الانضباط على الأطراف المتصارعة وتمكين الخديوي توفيق من إقامة حُكم مستقر فيها، بل دعا إنجلترا إلى أن تقوم هي بهذا الدور من خلال تفويضها إدارة مصر أسوة بجزيرة قبرص!.
ولم يكتفى الخائن العثمانى عبد الثانى، بذلك فقط، فبعد مقاومة الزعيم الراحل أحمد عرابى للجيش البريطانى، وبينما كان يقترب من توجيه ضربة للمحتل البريطانى، أصدر السلطان العثماني فرمانًا يتهم فيه عرابي بالخيانة وأنه قد خرج عن الطاعة!، وتهلل الخديو توفيق الخائن والغزاة الإنجليز بهذه الحماقة والخيانة العثمانية.
الاحتلال الإيطالى فى ليبيا
الخيانة العثمانية أيضا باعت ليبيا، وتركت الليبيون عزل يواجهون الاحتلال الإيطالى، رغم إنها كانت ولاية عثمانية لعدة قرون، حيث قاموا بتوقيع معاهدة "أوشى أو معاهدة "لوزان الأولى" بين مملكة إيطاليا والدولة العثمانية (تركيا) وتم توقيعها إثرالحرب العثمانية الإيطالية (1911-1912)، وعقدت في قلعة أوشى (ضواحى لوزان) بسويسرا فى 22 شوال 1330هـ الموافق 3 أكتوبر 1912، بموجبها انسحبت الدولة العثمانية من ليبيا، كما حصلت على امتيازات في ليبيا، وتركت أهلها وحدهم وجهًا لوجه أمام الإيطاليين.
ومن بنودها يلتزم الخليفة العثمانى بمنح الاستقلال الذّاتى لطرابلس وبرقة، وموافقة الحكومة الإيطالية أن يعين الخليفة العثماني القضاة في برقة وطرابلس، وسحب جميع الجنود والضّباط والموظفين من طرابلس وبرقة، وكان نتيجة هذه المعاهدة أن أصبح الليبيون مطالبين وحدهم بالوقوف ضد إيطاليا المحتل الجديد، وقد ظلوا يشتكون من نارها قرابة 35 عاما، ضحوا بالكثير من دمائهم ويكفى أن إعدام البطل عمر المختار فى عام 1931 ميلادية.
احتلال العراق
تسبب العثمانيون أيضا فى احتلال العراق، ففى الوقت الذى تخوفت فيه بريطانيا من مصالحها بسبب اتفاق العثمانين مع الألمان، فكروا فى الغزو العراق، التى كانت فى عام 1914 ولاية عثمانية، لكن العراقيون واجهوا هذا الاحتلال عزل، بعدما تركهم العثمانيين وانسحب الجيش العثماني من العراق.
وتذكر عدد المواقع المقربة من تركيا الآن، أنه عند اقترب الجيش البريطاني من بغداد، عقد القادة العثمانيون وحلفاؤهم الألمان في بغداد محادثات مكثفة لتقييم الوضع، وانقسم الرأي بين جناح يرى ضرورة الصمود والقتال والاستفادة من دعم العشائر العراقية التي أبلت بلاءً حسنا في عرقلة الزحف البريطاني من البصرة إلى بغداد، وبين جناح يرى الانسحاب، وهو الجناح الذي مالت كفته في النهاية ودخل البريطانيون بغداد دون قتال.
نكبة فلسطين
لعل عبد الحميد الثانى، كان سببا فى وقوع النكبة الفلسطينية، بعدما مهد بخيانته وضعفه لهجرة اليهود لفلسطين، فقد نشط تدفق الهجرات اليهودية إلى فلسطين بعد إتمام حفر قناة السويس 1879 في مصر، وتزايد القيمة الاستراتيجية والاقتصادية للشرق الأوسط، ولم يحرك السلطان العثماني عبد الحميد الثاني سيوفه ولا عملائه لمنع ذلك، في حين كان ينشط في قمع كل حركات الاحتجاج والثورات التي تنشأ في مصر (كالثورة العرابية) والشام وغيرهما ضد الاحتلال العثماني أو ضد الاحتلال البريطاني.
ومنحت دولة الاحتلال العثماني امتيازا لليهود يقضي بأن رعايا السلطان من اليهود يدخلون ويخرجون من فلسطين دون قيود؛ ما أدى إلى تدفق اليهود من بلاد عربية على فلسطين بسهولة تحت اسم عامل وتاجر، كما أسهمت الامتيازات الأجنبية التي منحها العثمانيون لرعايا الدول الأجنبية في تسهيل حركة اليهود الأوروبيين إلى فلسطين.
واكتمل مسلسل الخيانى التركى في عام 1920، عندما وقعت الدولة العثمانية على معاهدة "سيفر"، التي يقضي جزء منها على التخلي عن فلسطين؛ ما مهد لتسليمها إلى الانتداب البريطاني.