منذ تفشى فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" اتخذت الحكومات حول العالم المزيد من تدابير الصحة العامة للوقاية من انتشار المرض، بداية من الحجر الصحى، وحظر التجوال، وسياسات التباعد الاجتماعى، وتقليل التزاحم فى الأماكن العامة ومناطق العمل.
ومع بداية فترة التعايش مع المرض، قام عدد من الحكومات، بإجراءات مختلفة للحد من انتشار الفيروس القاتل، فرغم إلغاء حالات حظر التجوال، وعودة الحياة إلى طبيعتها بعض الشئ، لكن أصبح تطبيق سياسة التباعد الاجتماعى أكثر صرامة، مع تقليل نسب التواجد فى المقاهى وأماكن العمل.
والتدابير الصحية فى مواجهة ليست جديدة، فمنذ عرف الإنسان الأوبئة، كان للحكومات وأنظمة الحكم وسائل عدة للإجراءات الوقائية وحماية شعبها من عدوى انتشار المرض، فما هى أبرز التدابير التى اتخذتها الحكومات لمواجهة الأوبئة قديما؟
بحسب كتاب "عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور" لسوزان سكوت وكريستوفر دنكان، قامت فرنسا خلال القرن الخامس عشر؛ بعدد من التدابير الهامة، فقد جرى حظر بيع أثاث منازل وملابس الضحايا، بل كانت توجد محاولات لتطهير المنازل التى توفى بها شخص ما جراء إصابته بالطاعون، وعين جراحون ومساعدون، وكان يطلق عليهم الغربان لأنهم كانوا يرتدون أقنعة على شكل مِنْقار طائر، وكانوا يلبسونهم عباءات سوداء خاصة أعطتهم مظهرا شريرا، كانت هذه ممارسة سليمة، وكانت أول صورة من صور الملابس الوقائية، وهى تؤكد على اعتقاد الأفراد الذين عاشوا فى ذلك الزمان أن الطاعون يمكن أن ينتقل من شخص إلى آخر، كانت وظيفة الغربان هى تفقد الموتى وحملهم ودفنهم، واعتبر هؤلاء الجراحون ناقلين للعدوى، وكانت ملابسهم الغريبة بمنزلة تحذير للآخرين بالابتعاد.
أما فى مدن شمال إيطاليا فقد اتخذت التدابير اللازمة للتعامل مع الوباء مبكرا، فأنشئوا الحجر الصحي، وبيوت الطاعون، والهيئات الصحية، وبحلول عام 1400 كانوا قد ابتكروا "تصاريح سفر" رسمية فى أزمنة الطاعون، وتكبد الأطباء فى إيطاليا معاناة كبيرة عند القيام بالفحص الدقيق عن كثب لحالات من أجل تحديد ما إذا كان طاعون حقيقى قد تفشى؛ فقد كانوا حريصين على التمييز بين ما أطلقوا عليه طواعين "كبيرة" وطواعين "صغيرة"، كانت الطّواعِين "الكبيرة" هى الطّواعِين الحقيقية، فى حين أن الطواعِين "الصغيرة" كانت فى الغالب نوبات تفش لمرض أقل خطورة، ولم تكن السلطات الصحية تنزعج من أمرها كثيرا.
وأثناء موجة الطاعون التى ضربت إنجلترا عام 1598، وضعت السلطات سياسة عزل جزئى قيد التنفيذ إبان الوباء المتفشى فى بنريث، فلم يكن مسموحًا للمزارعين من خارج البلدة الدخول أثناء تفشى الطاعون، إذ أُوقفت جميع الأسواق التى كانت تقام بانتظام وأُقيم بدلا منها أسواق مؤقتة فى الضواحي، وكان سكان البلدة يدفعون نقود مشترياتهم من خلال رمى العملات فى أحجار مجوفة تسمى "أحجار الطاعون" تحتوى مادة خام، من المفترض أنها سائل مطهر، وفى الغالب كانت خلا، وانتشر استخدام أحجار الطاعون إبان الوباء فى إنجلترا ولا يزال أحدها محفوظًا فى أحد الحقول فى بنريث،و يستدل من ذلك على أن الجميع اعتقدوا أن عدوى الطاعون تنتقل من خلال الاحتكاك المباشر بين الأفراد.