نقرأ معا كتاب "رجل القش" لـ يوسف صامت بوحايك، وفيه يناقش ما يطلق عليه الحشو المنطقى، والدليل المختصر للمغالطات المنطقية والإنحيازات الإدراكية، فى محاولة لإثبات أننا نفكر، لكننا عادة لا نفكر بطريقة صحيحة، ولا نستعمل المنطق فى حججنا مع أنفسنا، رغم أننا لا نتوقف عن التفكير.
ويقول يوسف صامت بوحايك، فى الكتاب، البشر كائنات حجاجية، وتقوم بعملية التفكير باستمرار؛ لكن هذا لا يعنى بالضرورة أنّها كائنات منطقية باستمرار، فالتفكير المنطقى يحتاج لوعى ومجهود فى كثير من الأحيان، والنفس البشرية تلجأ كثيرًا لطرق غير موضوعية وغير منطقية فى تحليلها وفهمها لمختلف الظواهر، وهذا ما يزيد حجم الهوة والخلاف بين الأفراد، فحين نلاحظ الطرق التى يستجيب بها معظم البشر للأفكار والوقائع والظواهر، تظهر بوضوح مواطن الخلل ونقاط الضعف فى التفكير البشري، التى تعيق قدرته على التحليل الموضوعى والمنطقي.
من هذه المظاهر التى تتضح جليّة فى سلوكيات تفكير البشر وطرقه:
الميل للتعميم من وقائع فردية وأحادية، والرغبة فى سنّ قوانين جامعة، تعفى من عناء تحليل الحالات الفردية والخاصة.
كائنات تحرّكها العاطفة، وتميل لتصديق ما تريد تصديقه، وانتقاد ما لا تريد تصديقه.
إطلاق الأحكام المسبقة ـ غالبًا- من خلال المظاهر، ثمّ البحث جاهدين فى تأكيدها.
العجز ـ غالبًا- عن التحليل الموضوعى وتحديد العلاقات بين الأشياء.
الميل عادة للتبسيط المبالغ فيه، والعجز عن دراسة كلّ تفاصيل الموضوع.
إسقاط الانحيازات الشخصية على الوقائع والتجارب الموضوعية.
الرغبة فى الدخول فى النقاشات وتقديم آرائهم وتوضيح مواقفهم من مختلف الحالات والوقائع.
كائنات أنانية مصلحية تميل لتصديق ما يحقّق لها الفائدة ويسهّل لها الحياة.
الذاتية لدرجة يسهل إلهاؤهم وصرف انتباههم عن الموضوع الأصلي.
الاندفاع والتسرّع وعدم التفكير الجدّى قبل الكلام.
انتقائيون كثيرًا فيما يستقبلون من معلومات، وليسوا مستمعين جيّدين.
كل هذه العوائق والحواجز هى ما تميز طريقة تفكير البشر الذاتية، وتصعّب من مهمّة الوصول لنتائج موضوعية أو تبرير ما يقولون، وما يفعلون بما يكفى من حجج وأدلّة منطقيّة قويّة.
وحين نتكلّم عن التفكير المنطقى، يجب تفكيك هذا المصطلح وتوضيحه لبيان معنى التفكير ومعنى المنطق، والأهمّ، الفرق والعلاقة بينهما، فالتفكير (Thinking) هو مجموع الحركات الذهنية والعمليات الإدراكية التى يقوم بها العقل للانتقال غالبًا من المعلوم إلى معرفة المجهول، وانطلاقًا من مقدّمات مدركة بحثًا عن الوصول لنتيجة مستلزمة، أمّا المنطق (Logic) فله مفاهيم كثيرة اختلفت باختلاف الغاية منها، ولعلّ من أقلّها عبارة وأكثرها تعبيرًا أنّ "المنطق هو قانون التفكير الصحيح"، فهو منهجٌ يبحث فى قواعد التفكير الصحيح وطرق الاستدلال السليم التى تعصم العقل من الزلل والانحراف فى أثناء عمليّة التفكير، ما يسمح له بالوصول إلى نتائج سليمة من مقدّمات صحيحة.