يحظى أصحاب الكهف بمكانة مميزة فى التراث الإسلامي، خاصة أن القرآن الكريم ذكرهمـ، ووصفهم بأنهم "فتية آمنوا بربهم" لذا فإن التراث الإسلامى اهتم بهم وسعى إلى التفاصيل التى تتعلق بحياتهم وأسماء الكهف الذى كانوا فيه وحتى الكاب الذى كان بصحبتهم.
يقول كتاب البداية والنهاية تحت عنوان "قصة أصحاب الكهف"
كان سبب نزول قصة أصحاب الكهف وخبر ذى القرنين، ما ذكره محمد بن إسحاق فى السيرة وغيره أن قريشا بعثوا إلى اليهود يسألونهم عن أشياء يمتحنون بها رسول الله ﷺ ويسألونه عنها ليختبروا ما يجيب به فيها، فقالوا: سلوه عن أقوام ذهبوا فى الدهر فلا يدرى ما صنعوا، وعن رجل طواف فى الأرض، وعن الروح، فأنزل الله تعالى: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ" [الإسراء: 85] .
"وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِى الْقَرْنَيْنِ" وقال ههنا: "أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبا" أي: ليسوا بعجب عظيم بالنسبة إلى ما أطلعناك عليه من الأخبار العظيمة، والآيات الباهرة، والعجائب الغريبة. والكهف: هو الغار فى الجبل.
قال شعيب الجبائى: واسم كهفهم حيزم، وأما الرقيم: فعن ابن عباس أنه قال لا أدرى ما المراد به. وقيل: هو الكتاب المرقوم فيه أسماؤهم، وما
جرى لهم كتب من بعدهم، اختاره ابن جرير وغيره. وقيل: هو اسم الجبل الذى فيه كهفهم. قال ابن عباس وشعيب الجبائي: واسمه بناجلوس. وقيل: هو اسم واد عند كهفهم. وقيل: اسم قرية هنالك، والله أعلم.
قال شعيب الجبائي: واسم كلبهم حمران، واعتناء اليهود بأمرهم ومعرفة خبرهم، يدل على أن زمانهم متقدم على ما ذكره بعض المفسرين أنهم كانوا بعد المسيح، وأنهم كانوا نصارى.
والظاهر من السياق أن قومهم كانوا مشركين يعبدون الأصنام، قال كثير من المفسرين والمؤرخين وغيرهم: كانوا فى زمن ملك يقال له: دقيانوس، وكانوا من أبناء الأكابر. وقيل: من أبناء الملوك.
واتفق اجتماعهم فى يوم عيد لقومهم، فرأوا ما يتعاطاه قومهم من السجود للأصنام، والتعظيم للأوثان، فنظروا بعين البصيرة، وكشف الله عن قلوبهم حجاب الغفلة، وألهمهم رشدهم، فعلموا أن قومهم ليسوا على شيء، فخرجوا عن دينهم، وانتموا إلى عبادة الله وحده لا شريك له.
ويقال: إن كل واحد منهم لما أوقع الله فى نفسه ما هداه إليه من التوحيد انحاز عن الناس، واتفق اجتماع هؤلاء الفتية فى مكان واحد كما صح فى (البخاري):
" الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف ".
فكل منهم سأل الآخر عن أمره، وعن شأنه، فأخبره ما هو عليه، واتفقوا على الانحياز عن قومهم والتبرى منهم، والخروج من بين أظهرهم، والفرار بدينهم منهم، وهو المشروع حال الفتن، وظهور الشرور.
قال الله تعالى: { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَها لَقَدْ قُلْنَا إِذا شَطَطا * هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ" أي: بدليل ظاهر على ما ذهبوا إليه، وصاروا من الأمر عليه، { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبا } .
"وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ" أي: وإذ فارقتموهم فى دينهم، وتبرأتم مما يعبدون من دون الله، وذلك لأنهم كانوا يشركون مع الله كما قال الخليل: "إِنَّنِى بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِى فَطَرَنِى فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ" [الزخرف: 26-27] .
وهكذا هؤلاء الفتية قال بعضهم: إذ قد فارقتم قومكم فى دينهم فاعتزلوهم بابدانكم، لتسلموا منهم أن يوصلوا إليكم شرا { فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقا" أى: يسبل عليكم ستره، وتكونوا تحت حفظه وكنفه، ويجعل عاقبة أمركم إلى خير، كما جاء فى الحديث:
"اللهم أحسن عاقبتنا فى الأمور كلها وأجرنا من خزى الدنيا ومن عذاب الآخرة".